سياسة صحف وآراء

قصة اجتماع لم يعقد في رام الله

* ماجد عزام

كان من المفترض أن يعقد الأحد في رام الله اجتماعاً بين وفد يمثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، يضم وزراء خارجية أربع دول عربية وأمين عام الجامعة مع الرئيس محمود عباس ومسؤولين فلسطينيين آخرين، للتحضير للمرحلة القادمة بما في ذلك المؤتمر المقرر حول حلّ الدولتين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك منتصف حزيران/يونيو، كما مناقشة المساعي لإنهاء حرب غزة وطبيعة اليوم التالي لها، وحضور ومشاركة السلطة وتحملها كامل مسؤولياتها هناك، وقد منعت إسرائيل عقد الاجتماع ووصول الوزراء إلى رام الله، في خطوة لا تعبر فقط عن  تطرفها وهوسها بفرض سيطرتها على السلطة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنما عزلها أيضاً عن التحركات الإقليمية والدولية الهادفة لحل القضية الفلسطينية باعتبارها أم الصراعات في المنطقة.

مشاركة تركية
إذن، كان يفترض أن يصل الأحد إلى رام الله وفد يمثل اللجنة المعنية بالقضية الفلسطينية والمنبثقة عن القمة العربية الإسلامية التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ويضم وزراء خارجية أربعة دول عربية هي السعودية، ومصر، والأردن، والبحرين إضافة إلى أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط، وكان وزير الخارجية التركي ينوي المشاركة باعتباره عضواً باللجنة أيضاً.
حسب مصادر فلسطينية وعربية مطلعة فقد كان من المفترض أن تتركز أجندة الاجتماع على ملفين أساسيين، أولهما المؤتمر الخاص بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين الذى سينعقد بعد أيام بمدينة نيويورك برعاية أممية ورئاسة سعودية فرنسية مشتركة، على قاعدة ضرورة انخراط السلطة في المساعي المتعلقة بالقضية التي تخصها وتمثلها مباشرة.

اعتراف 10 دول
ويسعى المؤتمر إلى توسيع دائرة الاعتراف الأوروبي والدولي بالدولة الفلسطينية، وحسب مصادر مواكبة، فإن 10 دول قد تقدم على الخطوة من بينها فرنسا ومالطا وربما بريطانيا أيضاً، مع جهود موازية لرفع مكانة فلسطين بالأمم المتحدة إلى دولة كاملة العضوية. وحسب المعلومات أيضاً تبدو الإدارة الأميركية منفتحة، أو على الأقل لا تعمل حتى الآن على عرقلة المؤتمر وأهدافه، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفع مكانتها، وهو ما يندرج ضمن ما يوصف بخلق الأفق والمسار السياسي للشعب الفلسطيني وقضيته، الأمر المهم والضروري أيضاً لإنهاء حرب غزة ضمن مسار سياسي وأمني واقتصادي لا يقتصر على العودة إلى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر 2023، وكي لا تذهب التضحيات الهائلة هدراً بما في ذلك  العدد الكبير  للشهداء بغزة الذى يقارب نصف عدد الشهداء منذ النكبة الاولي 1948 حسب تقرير رسمي صادر عن مركز الاحصاء الفلسطيني.

اليوم التالي
بالسياق ثمة قناعة عربية وإسلامية ودولية متجذرة لدى الأطراف الفاعلة مفادها أنه لا جدوى من أي تحرك سواء فيما يخص الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفع مكانتها أو إنهاء حرب غزة بغياب التوافق على قواعد وأسس اليوم التالي للحرب وبظل تجاهل وبغياب القيادة الفلسطينية الحالية.
هنا يحضر أيضاً النموذج اللبناني ببعديه الإيجابي والسلبي كما شهدناه في مساعي إنهاء الحرب هناك واليوم التالي لها، فالقيادة الفلسطينية الحالية تبدو إشكالية مع علامات استفهام على جدارتها ومصداقيتها بتمثيل الشعب الفلسطيني، بفئاته وأطيافه المختلفة، ولكن لا غنى عنها أقله بالمرحلة الحالية والانتقالية، بينما تبدو الإصلاحات  فيها ضرورية ولا غنى عنها أيضاً كون ما تقوم به السلطة أقل مما ينبغي ومتأخر أكثر مما ينبغي، وغير كافي علي أهميته المؤسساتية كما رأينا مثلاً في تعيين نائب لرئيس المنظمة والدولة ولكن دون توافق وطني واسع حوله.
ولا شك أن السلطة مدعوة إلى الانخراط بالجهود العربية والأممية، سواء الاعتراف بالدولة أو تولي المسؤولية بغزة باعتبار ذلك أقصر الطرق لإيقاف الحرب وقطع الطريق على الخطط الإسرائيلية ونيل الدعم الدولي لليوم التالي في سياقاته المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية.

استلاب القوة والخيار العسكري
بناء على ما سبق كله يمكن استنتاج الأسباب التي دعت الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية الى منع الاجتماع ورفض السماح للوفد بالوصول الي رام الله، ولا مفاجأة من هذه الحكومة التي فهمت مغزى الزيارة ودلالاتها بملفيها المركزيين الدولة وغزة، مع استلابها للقوة والخيار العسكري وسعيها لضم الضفة الغربية ولو بشكل غير رسمي ومعلن، لشطب خيار الدولة الفلسطينية عن جدول الأعمال نهائياً كما قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس علناً في رده على دعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للاعتراف بالدولة الفلسطينية، باعتباره ضرورة أخلاقية وسياسية أيضاً.
القرار يفسر كذلك التهرب الاسرائيلي المنهجي من تحديد معالم اليوم التالي بغزة حيث يري المجتمع العربي و الدولي الأمور والوقائع على حقيقتها بينما تبدو حكومة بنيامين نتنياهو مصرة على المضي قدماً، في سياسات العسكرة والاحتلال والقتل والتجويع والتهجير وربما الاستيطان بغزة كما يقول سموتريتش الذى لا يخجل من مصطلح احتلال.
برفضها زيارة الوفد العربي الإسلامي والجهود السياسية والدبلوماسية المدعومة دولياً تقفل إسرائيل من جهة أخرى الأبواب أمام التطبيع مع العالم العربي المشروط بإقامة الدولة الفلسطينية وبالحد الأدنى شق مسار لا رجعة عنه نحوها بما في ذلك انهاء الحرب بغزة.

عزلة إسرائيلية
بالعموم يؤكد المشهد السابق بأبعاده وجوانبه المختلفة عزلة إسرائيل التي باتت منبوذة دولياً كما يقول عن حق معارضو نتنياهو -العاجزين عن اسقاطه حتى الآن، بينما يبدو الأمر حتمياً ومسألة وقت من وجهة نظرهم – ما يضاعف المسؤولية علينا كفلسطينيين للاستفادة من عزلة الدولة العبرية، وتراجع مكانتها والخطوة الأولى كانت ولا تزال بالارتقاء الى مستوى المسؤولية من جانب القادة الحالية وحركة حماس والمبادرة فوراً إلى إنهاء الانقسام وتشكيل وفد فلسطيني موحد من منظمة التحرير-ممثلنا الشرعي والوحيد- للتفاوض ومواكبة المساعي العربية والدولية ضمن رؤية سياسية تتضمن تشكيل حكومة توافق وإنهاء الحرب وإعادة الإعمار واجراء الانتخابات وخوض الصراع بسياقات سياسية ودبلوماسية وفق استراتيجية وطنية متماسكة مدعومة شعبياً ويفهمها ويساندها العالم المنحاز والمتقبل أصلا لروايتنا العادلة وحقوقنا المشروعة.

* نشرت على موقع المدن بتاريخ 2 حزيران2025