كتب الدكتور فارس اشتي*
طرق الباحثان بول طبر ووهيب معلوف في كتابهما “الهجرة وتشكل النخبة السياسية في لبنان” جديداً في حقلي السياسة والهجرة. وهو طرق يستحق التقدير، بالرغم ما قد يعتور الجديد في البحث من صعوبات وثغرات. ويتزامن صدور الكتاب، عالمياً، مع تنامي الهجرات بين البلدان، ولبنانياً، مع دعوات لاشراك “الدياسبورا” اللبنانية في مواجهة الإستعصاء في الواقع السياسي اللبناني، وآخر هذه الدعوات لصديقين عزيزين: الصحافي جهاد الزين(النهار 25-2-2021) والإستاذ الجامعي عبدالله أبراهيم( موقعه في 7-3-2021).
وقد تناول الباحثان طبر ومعلوف الموضوع في أربعة فصول: مراجعة للأدبيات بشأن مفهوم النخبة، دور الدياسبورا اللبنانية في ولادة لبنان الكبير، الخلفية التاريخية للدراسة، عرض البيانات والمعطيات وتحليلها.
وقد أعلن الباحثان مرجعهما النظري في التحليل بيار بوردو في مفهومه عن رأس المال وتحولاته، وقد أكثرا من ترداد هذا الأعتماد في ثنايا البحث، وقصرا المرحلة على ما بين الأعوام 1990و2018، وإنْ لم يعلنا ذلك في العنوان، وإعتمدا على مراجع ذات صلة وعلى مقابلات مفتوحة مع 26 من أعضاء النخبة السياسية وإستقصاء عن ثمانية آخريين.
وقد قدم الباحثان تحديداً للنخبة السياسية ولمصادر تشكلها وأعتبرا الهجرة أحد هذه المصادر، وأجادا في عرض دور الدياسبورا اللبنانية في ولادة دولة لبنان الكبير، واكتفيا بنماذج عن مغتربين فاعلين في الحياة السياسية في عهود الإستقلال، دون التطرق لمرحلة الإنتداب، وعرضا سير مغتربين فاعلين في المرحلة المدروسة، إنْ في النخبة السياسية الفعلية أوالطامحة.
ومع أهمية التطرق إلى هذا الموضوع بحد ذاته، وتقدير الجهد المبذول لتحديد مفهوم النخبة، ومحاولة تحديد دور الهجرة في تشكلها، والنجاح في وضع دور الدياسبورا في ولادة لبنان الكبير في إطاره، يشوب الدراسة، بنظري، ثغرات عدة:
- يُبنى هذا الموضوع على مفهومين:الهجرة والنخبة السياسية. وقد عُرضت الآراء في مفهوم النخبة وأُخذ بتحديد لها، لكن الهجرة لم تحدد. وهذا ما أوقع البحث في إلارتباك في تحديد من أعتبروا مهاجرين حضروا في النخبة السياسية، وبين مهاجر وطالب موفد للدراسة في الخارج ومتلقي لدعم مهجري وهو مقيم.
- يفترض موضوع الدراسة أنها دراسة سوسيولوجية، وهذا ما ألمح إليه الباحثان، الإ أنّ العرض في المرحلة المدروسة كان لشخصيات سياسية أو ذات تطلع سياسي. بحيث بدا بمثابة سير ذاتية تندرج في حقل علم النفس. ومع أهمية الشخصيات في السياسة وغيرها، لكن متطلبات الموضوع تنحو بإتجاه النخبة والهجرة كظاهرتين إجتماعيتين.
- يفترض الموضوع إيلاء أهمية لتشكل النخبة السياسية، فقد أخذ الباحثان بتحديد للنخبة السياسية، وعرضا رأي كل من حريق وخلف والحسيني وطرابلسي، لكنهما لم يخلصا الى قول محدد بذلك. ومع أهمية الإجراءات التقنية في إنتاج النخبة السياسية، فللبنية المجتمعية أهمية مضاعفة، وقد المحا إليها دون تعمق، كما لموقع البلد أهمية، لم يلحظاها في المرحلة المدروسة، وأن لمّحا لها في ولادة الكيان، لا بل بلغ تجازوها حد عدم الإشارة للمصدر الأجنبي في الرأسمال المالي والسياسي للعديد من الشخصيات المدروسة، فضلا عن المعروف عن تدخل أجهزة الدول العربية والأجنبية في إنتاج بعض من النخبة.
هذه الثغرات لا تقلل من أهمية إثارة الموضوع والبحث فيه ومن الجهد المبذول لإنجازه، وبخاصة أنّ الباحثيْن أدركا صعوبة ما أقدما عليه حيث ورد في الفقرة الأخيرة من الخاتمة” وهذه الدراسة تطمح إلى أن تشكل حافزاً للكتابة والبحث في هذا الموضوع في المستقبل”.
(1) بول طبر ووهيب معلوف، الهجرة وتشكل النخبة السياسية في لبنان، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2021.
* استاذ جامعي.
Leave a Comment