محسن إبراهيم

في الذكرى السنوية لغياب محسن إبراهيم الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان

الأستاذ مجيد العيلي*

عند كتابة رواية، أو قصّة، أو ما شابه، تكون الكلمات مرآة كاتبها. أما إذا كتبت عن شخصية ما، فالكلمات أمانة بقلم كاتبها. فكيف إذاً كان المقصود رجل بارز على الساحة السياسية والحزبية في لبنان؟

إنه الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي الأستاذ محسن ابراهيم، حيثلم يكن بيننا جامع أو تلاقٍ، بل تباين وتباعد وخلاف سياسي.

مع ذلك، والحق يقال، إنه ثائر، مقاوم، مقاتل، عقائدي ملتزم، متواضع، مفاوض، مناور. صفات عدّة جمعها بشخصه جعلت منه شخصاً مسؤولاً محورياً في جبهة جمعت الأضداد، فنجح في أن يكون رابط تحالف بينها.

نجح محسن ابراهيم في أن يكون رقماً صعباً ومقرِّراً طيلة فترة الأحداث، وركناً من أركان الحركة الوطنية التي ضمت رجالات سياسية، فكرية، وعسكرية، فكان الشهيد كمال جنبلاط الزعيم الدرزي والقائد الاشتراكي ورمز الجبل. وكان ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني، والشهيد جورج حاوي، وابراهيم قليلات وغيرهم من مسؤولين قوميين وعروبيين ورجال دين. هذا، إضافة إلى امتدادات عربية في العراق وسوريا وليبيا والجزائر، ودولية من روسيا  إلى دول المعسكر الاشتراكي.

وبهذا الخضمّ المشبع بالمعارك والعزل والتهجير والقتل والتوطين والإلغاء وتحضير الوطن البديل، كان محسن ابراهيم رجل الظل وصاحب رؤيا وقارئاً للأحداث. وهنا قد يتفاجأ البعض من كلامي المستفيض عن شخصيته. نعم، وأُعذرهم لأن المتتبع لمسار الأحداث يومها، وتصاريح محسن ابراهيم، يعرف أنه من الأوائل الذين أدركوا أن الأحداث آيلة إلى طريق مسدود، وأنّ الحركة الوطنية الفضفاضة في تركيبتها ستكون أرضاً خصبةً لطموح البعض في الإمساك بقرارها، كما قد تكون عرضة للانقسامات والتبعيات وصولاً لتنفيذ أجندات، كما كان يخشى على بعض قياداتها من ثقافة بعض الأنظمة العربية القائمة على الاغتيال والتصفية والتحجيم. وطالما حذّر من الفوضى وانقطاع خيوط التواصل وانسداد آفاق الحلول، وضرورة أخذ الحيطة.

صدق حدسه يوم اغتيال الزعيم كمال جنبلاط – زعيم وطني درزي – رمز للجبل، صاحب أوسع شبكة اتصالات وعربية، فاستشعر زلزال الاغتيال وما تبعه من مذابح طالت الأبرياء في الجبل، وقد قال يومها أنها البداية وأن ما جرى باكورة الاغتيالات. توقّعوا أكثر. وكرّت السبحة فطالت رجال سياسة ودين وقادة. واتسعت لتطال كل المناطق، وقد شعر بالقلق يوم اغتيال الشهيد رفيق الحريري والشهيد جورج حاوي وشهداء 14 آذار.

هنا، تأكّد حدسه في ثقافة الاغتيالات عند بعض الأنظمة العربية، مسمّياً  النظام السوري تحديداً. ولما سأله أحد الصحافيين يوماً لماذا اغتالوهم قال ” الملفات المفبركة جاهزة، أما السبب الحقيقي فمنهم من يغتالوه لأجل ماضيه وآخر لمحو حاضره وثالث خوفاً من مستقبله”.

أدرك محسن ابراهيم خطورة المرحلة والأخطاء التي ارتكبت من كل الأفرقاء. وقد بادر بالاعتراف ببعضها حيث قال “إننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلّحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل.” وقال “إننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير، فكان ما كان من تداعيات خطيرة طاولت بنية البلد ووجّهت ضربة كبرى إلى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام.”

ومن التوقعات التي قالها عن المنطقة، سنكون أمام متغيرات جيوسياسية. كما اعتبر أن إسقاط نظام صدام حسين كان هدية للنظام الإيراني (ولاية الفقيه) الذي سيسيطر على العراق وسوريا، ويتلاقى مع حزب الله في لبنان. مؤكّداً أن مشروع حزب الله أكبر من قدرة التجربة اللبنانية على احتوائه أو تطويعه. ودول الخليج أضعف من أن تواجه إيران، وبالتالي مسار الحرب سيكون سنّياً / شيعيّاً – فارسياً. هذا، يعني أن لبنان سيكون الأضعف لأن ميشال عون هو مشروع مشكلة وليس مشروع  حلّ. والاقتصاد منهار والجوع والفقر قادمان، والوضع اللبناني هذا هو أولوية لإيران.

مواكبة لهذه التطورات، استعجل محسن إبراهيم درس تغييرات وتعديلات على فكر المنظمة عقيدةً ومساراً، متأكّداً أن الشيوعية سقطت ولم تنجح ببناء الدولة المتطورة. كما عجزت عن تحقيق أحلام وآمال المنتسبين إليها والذين ناضلوا من أجلها. كما أن الماركسية تكبّلت بمفاهيمها حتى قاربت مفاهيم خشبية. وهنا طرحه لاشتراكية متجددة مبتعدا عن اشتراكية الرأسمالية إلى اشتراكية اليسار، لأنها الأقرب إلى هوية المنظمة. وإلى الصورة التي رسمها وصولاً إلى مقاربة الاشتراكية العلمانية. وهنا نكون أمام إشكال الطائفية والمذهبية وهذه متجذّرة في المجتمع اللبناني ولها قواها.

أفكار عدّة وتحولات جريئة طرحها الأمين العام والقيادة على الرفاق في المنظمة، وصولاً لطرح حزب يساري ديمقراطي علماني أو حركة علمانية ديمقراطية لبنانية.

ومن أبرز الاقتراحات:

  1. تثبيت الانتماء اليساري للحركة يؤشر للحالة الاقتصادية الاجتماعية في نظرهم.
  2. ربط اليسار بالديمقراطية، وهذا طرح جديد لمفهوم اليسار.
  3. اقتران اليسار الديمقراطي بالعلمانية.

مفاهيم جديدة ومسار متجدد للمنظمة. فهل تنجح في خرق الحواجز والانفتاح على طموحات شباب ينشدون التغيير؟ تحدّ كبير يواجه القيادة الجديدة بعد رحيل أحد أركانها. لذا، نحن نشدّ على أيدي القيادة الجديدة والتي تضمّ نخبة مفكرين مناضلين لإرساء خطوط التجديد، مع علمنا بأنها بدأت بها حيث كان جليّاً تأييدها لحركة 17 تشرين، ومشاركتها وانفتاحها على غالبية المجموعات وحتى الأحزاب التي كانت متقاتلة معها، وستلاقي من غالبية الأحزاب والهيئات ملاقاة ودّية.

وأختم باقول:

بعد زلازل 1958 – 1969 – 1975 حتى اليوم والاحتلالات والاغتيالات والتهجير كلها سقطت بمفاعيلها ولم يبق سوى المصالحات لبناء لبنان الوطن بديلاً.

لبنان الكيان – لبنان المؤسسات المتجدّدة.

لبنان الانفتاح باقٍ. فلنعمل جميعاً لأجل الأجيال الصاعدة لوطن نريده سيداً حرّاً مستقلاّ.

الرحمة والذكرى للأمين العام محسن إبراهيم.

*عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانية

Leave a Comment