محمد قدوح
بيروت 27 كانون الاول 2024 ـ بيروت الحرية
يبدو أن المال دين يتعبد له الكثير من اللبنانيين وربما غالبيتهم، ينحنون له كما لو كان إلهاً، ويسعون إليه بصرف النظر عن المعاناة التي يتسبب بها لناسهم، وحتى إلى الأقربين منهم، الذين عانوا وإياهم خلال فترة النزوح من سلوك وأتباع هذا الدين في المناطق التي نزحوا إليها.
مناسبة هذه المقدمة هي صرخة سكان المناطق التي تعرضت للحرب الذين يسعون لترميم منازلهم التي لا تزال صالحة للسكن، وذلك بسبب فلتان اسعار الزجاج، والالمنيوم وسائر مواد البناء، وأجور العاملين في هذا القطاع. ويُذكر على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع أسعار الزجاج والالمنيوم 3 و4 اضعاف ما كان عليه، وسعر طن الترابة من 68 دولاراً إلي 110 دولارات، وهو ما دفع بأحد المواطنين إلى فك شبابيك وابواب الآلمنيوم في منزلة ونقلهم إلي مدينة طرابلس، حيث تم اصلاحهم بمبلغ 900 دولار بدلاً من دفعه مبلغ 2000 دولار، وفق ما طلب منه أحد أصحاب معامل الالمنيوم الموجودة في بلدته.
في ظل فلتان الأسعار، انقسم اصحاب المنازل المتضررة إلى قسمين: الأول، يضم الميسورين مادياً، وهؤلاء يعملون على اصلاح الأضرار على الرغم من ارتفاع الكلفة التي يدفعونها. أما القسم الثاني منهم وهم من غير الميسورين مادياً، فينتظر الكشف عن الاضرار ودفع التعويضات، لكي يباشر في اصلاحها، وبالتالي ليس لدية من خيار حاليا سوى استبدال الزجاج والابواب بألواح الخشب والنايلون لتوفير الحد الأدنى من السترة ومنع المطر من الدخول إلى الغرف وتأمين الحد الأدنى من الدفء لأسرته.
أما اصحاب المنازل المدمرة كليا أو جزئيا غير القابلة للسكن، فينتظرون بدورهم أعمال الكشف على الاضرار، وبالتالي فهم أمام الاضطرار نتيجة ذلك إلى مراعاة أوضاع تفرض عليهم ايجاد سكن لمدة طويلة نسبيا. ومنهم من اقام في منازل أقرباء لهم من المغتربين، والقسم الآخر يبحث عن منزل للإيجار في قريتة أو في القرى المجاورة لها، لكنهم وقعوا ضحية اصحاب المنازل المعروضة للإيجار، حيث ارتفع بدل الايجار ضعفي البدل الذي كان قبل الحرب، اضافة الى طلب 3 أو 6 أشهر مقدماً.
أما سكان المناطق الحدودية التي أعملت فيها جرافات الاحتلال تدميراً، فقد انتقل معظمهم من المناطق التى نزحوا إليها خلال الحرب إلي البلدات والقرى القريبة من بلداتهم، وهم يسعون لاستئجار منازل فيها بهدف الاستقرار لمدة طويلة، لأنهم يدركون أن عودتهم إلى قراهم مؤجلة، أو لا تعني بالضرورة القدرة على السكن فيها بسبب اعمال التدمير المتواصلة للمنازل وتجريف الطرقات وكروم الزيتون، التي يمارسها العدو الصهيوني يوميا بهدف جعلها مناطق غير صالحة للسكن أو لتعذر إمكانية ترميم منازلها ومنشأتها العامة ( مدارس ، محطات كهرباء ومياه ، مساجد، طرقات وجسور و..) .
رغم المعاناة والخسائر البشرية والمادية الكبيرة، يبدوا أن بعض الجنوبيين باتوا أكثر أطمئنانأ لمستقبلهم، بعد عودتهم إلى بلداتهم وقراهم، حيث تمتد جذورهم إلى اعماق الأرض. لقد اعتادوا مواجهة أزماتهم بمفردهم، ورغم ذلك يطالبون يد الدولة أن تمتد إليهم للوقوف معهم، ويشعرون معها أنهم مواطنون فيها، لهم كامل الحقوق، كما عليهم كامل الواجبات تجاه هذه الدولة.
باختصار لفد اعتادوا النهوض بعد كل الخسائر التي منيوا بها منذ نكبة فلسطين، وهم الان أكثر اصراراً على البقاء في هذه الأرض، وإعادة بناء ما تهدم.
Leave a Comment