*تقارير دولية
يرسم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صورة واضحة لعهده المقبل، المنتظر أن ينطلق رسمياً مع تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، مع ترشيحه من يُعدّون صقوراً في مناصب أساسية في إدارته العتيدة، خصوصاً بما يتعلق بملفات الهجرة وإقفال الحدود. وما يرشح من تعيينات يشير إلى أن الإدارة المنتظرة تريد أن تعتمد حلولاً قد تكون صدامية في الداخل والخارج، في ترجمة لأفكار ترامب خلال حملته الانتخابية. كما أن الأسماء المطروحة، سواء توم هومان، المفترض أن يتولى ملف الهجرة، أو إليز ستيفانيك، وهي النائبة الجمهورية التي اختارها دونالد ترامب لتكون سفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهي من المقرّبين منه ومن الرافضين لتمويل المنظمة الدولية، فضلاً عن اختيار سوزي وايلز في منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض، تشير إلى أن ترامب يبدو مصراً على الاستعانة بصقور التطرف في ولايته الثانية والأخيرة، التي ستنتهي في عام 2029. وفي ظلّ تأكيد دونالد ترامب عدم ترشيح أحداً من أفراد عائلته لتبوّؤ منصب رسمي في الإدارة الجديدة، فإنه تم استبعاد اسمي نيكي هيلي ومايك بومبيو، في مقابل وجود صف من المرشحين الصقور، من أمثال ماركة روبيو وبيل هاغرتي وغيرهما.
دونالد ترامب و”قيصر الحدود”
في السياق، أعلن ترامب، أمس الاثنين، أنه اختار المدير السابق لإدارة الهجرة توم هومان، الذي وصفه بـ”قيصر الحدود”، ليتولى إدارة أمن الحدود والإشراف على عملية ترحيل المهاجرين المقيمين من دون أوراق ثبوتية داخل الولايات المتحدة، ووصفه بأنه سيكون “قيصر الحدود”. ويرغب دونالد ترامب في إطلاق أكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة (أكبر من تلك التي جرت في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور الذي رحّل أكثر من مليون شخص)، وبنى حملته الانتخابية على أساس المخاوف المناهضة للمهاجرين بشكل أكبر مما فعل في عام 2016، ووصفهم بشكل دائم في خطاباته بأنهم “يسمّمون دماء بلادنا”، وأنهم “مجرمون وخارجون عن القانون وتجار مخدرات وقتلة”.
وتشير تقارير إلى أن دونالد ترامب ربما سيسعى منذ اليوم الأول لنشر الجيش من أجل اعتقال وترحيل مهاجرين مقيمين في البلاد من دون أوراق ثبوتية. وتشير بيانات 2020 إلى أنه يوجد في الولايات المتحدة نحو 11 مليون مقيم دون أوراق ثبوتية، أي دخلوا البلاد عبر الحدود دون ختم دخول، ما يعني أنهم ليسوا مسجلين داخل الولايات المتحدة، بينما يقدّر عدد الذين دخلوا البلاد بالطريقة نفسها خلال فترة الرئيس الحالي جو بايدن بأكثر من مليوني شخص، وهو ما رفع عدد المهاجرين غير النظاميين إلى أكثر من 13 مليوناً. وبلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين سمحت الولايات المتحدة بدخولهم عبر الحدود الجنوبية الغربية وأجرت مقابلات معهم خلال فترة بايدن، نحو 6.7 ملايين آخرين.
وتوم هومان زميل زائر في مؤسسة هيريتيج المحافظة، كما كان أحد المساهمين في كتاب “تفويض القيادة” لمشروع 2025. وهو أيضاً رئيس ومدير تنفيذي لمؤسسة بوردر 911، وهي مجموعة غير ربحية تحذر من تهديد مفترض يشكّله المهاجرون غير النظاميين أو غير المسجلين في أوراق ثبوتية. وأشرف توم هومان خلال عمله مع إدارة دونالد ترامب الأولى على نظام الهجرة الذي وضع عدداً قياسياً من الأطفال المهاجرين تحت الاحتجاز في 2017، وهو ما أطلق موجة من الانتقادات وقتها، قبل أن يتقاعد في 2018. أُجريت أخيراً مقابلة مع توم هومان في برنامج 60 دقيقة على شبكة “سي بي إس”، تسببت في حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما سألته المذيعة عن إمكانية ترحيل المهاجرين دون فصل العائلات، فقال “نعم بالتأكيد العائلات يمكن ترحيلها معاً”، كما أكد أن ما تردد حول بناء معسكرات اعتقال لترحيل المهاجرين غير دقيق، فيما كان قد قال في تصريحات سابقة إنه سيتم وضع الآباء مع أبنائهم جنباً إلى جنب في المحاكمة.
وألقى هومان كلمة منذ أشهر على المنصة الرئيسية للمؤتمر الوطني الجمهوري الذي شهد إعلان ترشح ترامب للرئاسة، وقال: “رسالة إلى ملايين الأجانب غير الشرعيين الذين أطلق جو بايدن سراحهم في بلدنا في انتهاك للقانون الفيدرالي: من الأفضل أن تبدأوا في حزم أمتعتكم من الآن. لأنكم ستذهبون إلى بلادكم. وإلى (الكارتيل في المكسيك): لقد قتلتم أميركيين أكثر مما قتلت المنظمات الإرهابية مجتمعة، وعندما يصل دونالد ترامب إلى المنصب سيمحوكم من على وجه الأرض. لقد انتهيتم”. وأعلن أنه سيقدم على إغلاق الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بالكامل وإعادة تفعيل برنامج ترامب “البقاء في المكسيك”، مع السعي إلى إبرام اتفاقيات تقضي بنقل طالبي اللجوء إلى دول أخرى لحين البت في طلباتهم.
في هذا الصدد، من المتوقع أن تواجه المكسيك بقيادة رئيستها الجديدة، كلاوديا شينباوم، مرحلة صعبة من التعايش مع ترامب في موضوع الحدود. ولا يتعلق الأمر فقط بإقفال الحدود، بل لتأثير أي عملية ترحيل على الوضع الاقتصادي للمكسيك، بعد تحوّل التحويلات المالية إلى أحد مصادر الدخل الرئيسية في البلاد. وشينباوم اليسارية مختلفة عن الرئيس السابق، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي تمكن من التعايش مع دونالد ترامب في ولاية الأخير الأولى بين عامي 2017 و2012، وتمكن من تمرير السنوات الأربع بهدوء، بانياً بالتالي علاقة جيدة مع ترامب. وسعت شينباوم وفق ذلك، للتواصل سريعاً مع الرئيس العائد، فهنأته الخميس الماضي، بفوزه الانتخابي، لكن ترامب فعل خلال أمرين خلال الاتصال الهاتفي. الأمر الأول هو “تذكير شينباوم” بوجود مشاكل حدودية. والأمر الثاني هو الطلب منها “إرسال تحياته” إلى لوبيز أوبرادور، في إشارة إلى اعتقاده أن الأخير يبقى مرشداً سياسياً لشينباوم في عهدها، الذي انطلق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وينتهي في عام 2030.
دور سوزي وايلز
واختار ترامب سوزي وايلز، أول امرأة في منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض. ورافقت وايلز ترامب منذ عام 2015، في حملته الرئاسية الأولى، وساهمت في رسم خطوات عمله السياسي، وتحديداً سبل التواصل مع الناخبين. وُوصفت بأنها “مدمّرة خصومه”، وآخرهم حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس، الذي واجه دونالد ترامب في تمهيديات الحزب الجمهوري في العام الحالي، قبل الاقتناع بهزيمته، فانتقل إلى دعم ترامب. وحينه نُسب إلى وايلز، التي كانت مساعدة لديسانتيس فترة طويلة قبل التصادم معه، أنها أدت دوراً حاسماً في خروجه من السباق الرئاسي. ومن المفترض أن تؤدي وايلز في العهد العتيد دوراً مؤثراً، خصوصاً في سياق صياغة السياسات الداخلية والخارجية، لإدارة ترامب.
وفي وقتٍ أكد ترامب نفسه عدم ترشيح أحد من أفراد عائلته في منصب في الإدارة الجديدة، فإنه بات مؤكداً أن ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، وأن إريك ترامب وزوجته لارا، أصبحوا خارج حسابات الترشيحات. وكذلك قطع دونالد ترامب احتمالات عودة السفيرة الأميركية السابقة، نيكي هيلي، ووزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، إلى الإدارة الجديدة، وشكرهما في منشور على منصات التواصل الاجتماعي على “عملهما من أجل البلاد”.
في المقابل، فإن إيلون ماسك، مالك شركتي سبايس أكس وتيسلا، فضلاً عن موقع إكس (تويتر سابقاً)، برز مرشحا للانخراط في إدارة ترامب. وما أجج هذا الاحتمال، هو مشاركته في الاتصال الهاتفي الذي جمع ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء الماضي. وجاءت مشاركة ماسك على خلفية تزويده الجيش الأوكراني بخدمة الإنترنت عبر أقمار ستارلينك، التي ساهمت بشكل مؤثر في صمود أوكرانيا. ووعده ترامب في سبتمبر/أيلول الماضي، بأنه سيكون رئيساً لإدارة للكفاءة الحكومية أو DOGE في إشارة إلى عملة Dogecoin المشفرة التي غالباً ما يروج لها ماسك. وقال ترامب في حينه إن الوزارة “ستكلف بإجراء تدقيق مالي وأداء كامل للحكومة الفيدرالية بأكملها”. حتى أن ماسك دائماً ما انتقد البيروقراطية الأميركية، التي وضعت العراقيل أمام شركته سبايس أكس، وفقاً له.
وفضلاً عن ماسك، فإن المرشح الرئاسي المستقل، سابقاً، روبرت كينيدي جونيور، بات من الموالين لترامب، خصوصاً إثر تنحيه عن السباق الرئاسي في أغسطس/آب الماضي. وتعهد ترامب بمنحه دوراً في السياسة الصحية. مع العلم أن كينيدي، ابن السياسي روبرت كينيدي وابن شقيق الرئيس المغتال جون كينيدي، صنع اسماً لنفسه باعتباره من المشككين بجدوى اللقاحات خلال تفشي وباء كورونا، حتى أنه ربط اللقاحات بالتوحد لدى الأطفال. وبرز أيضاً ريتشارد غرينيل، وهو من أقرب مساعدي ترامب في السياسة الخارجية، ومرشحه لمنصب مستشار مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وسبق لغرينيل أن أيد إنشاء منطقة حكم ذاتي في شرق أوكرانيا لإنهاء الحرب الروسية عليها، أي السماح لإقليمي دونيتسك ولوغانسك بإدارة شؤونهما بقدر كبير من الاستقلالية عن كييف، وهو ما رفضته أوكرانيا.
مرشحون ينتظرون
ومن المرشحين لتسلم مناصب في إدارة ترامب، لاري كودلو، المعروف بكونه المعلق الاقتصادي لشبكة فوكس نيوز، وكان مدير المجلس الاقتصادي الوطني خلال معظم فترة ولاية ترامب الأولى، وهو مرشح هذه المرة لتسلم وزارة الخزانة. مع العلم أن الملياردير جون بولسون، مدير صندوق التحوط الملياردير، مرشح لمنصب وزير الخزانة أيضاً، بفعل استضافته حملة لجمع التبرعات جمعت أكثر من 50 مليون دولار لمصلحة ترامب. وبولسون من كبار مؤيدي التخفيضات الضريبية والتحلل من الإجراءات التنظيمية، وهو ما يتوافق مع توجهات فريق ترامب الاقتصادي. ويبرز كذلك اسم ماركو روبيو، الذي حاول خطف مقعد المرشح على بطاقة ترامب بصفته نائباً للرئيس، غير أنه أضحى الآن مرشحاً لتسلم منصب وزير الخارجية، خصوصاً لتشابه سياسته بشكل كبير مع سياسة ترامب. كما تم ربط اسم بيل هاغرتي بالمنصب الوزاري وأيضاً بمنصب مستشار الأمن القومي.
في غضون ذلك، ينوي ترامب استخدام سلطته في الحزب الجمهوري لتمرير تشكيل حكومته من دون موافقة مجلس الشيوخ، حسبما ينص القانون الأميركي. ويحاول ترامب الاستفادة من الدور القيادي المرغوب لمجلس الشيوخ على أساس استعداد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين السماح له القيام بذلك. وكتب ترامب عبر منصة إكس: “أي نائب جمهوري يسعى لمنصب قيادي في مجلس الشيوخ الأميركي، يجب أن يوافق على التعيينات الرئيسية (في مجلس الشيوخ!)”. ولكنه طالب في نفس الوقت “بعدم الموافقة على تعيين أي من القضاة خلال هذه الفترة، لأن الديمقراطيين يسعون لتمرير قضاتهم في الوقت الذي يتصارع فيه الجمهوريون على القيادة. هذا أمر غير مقبول”.
ووفقاً للقواعد، فإنه يتعين عرض أي تشكيل حكومي على لجنة بمجلس الشيوخ أولاً، قبل أن يصوت الكونغرس بأكمله على التشكيل. ولكن الرئيس ربما يجري “تعيينات رئيسية مؤقتة” عندما لا ينعقد مجلس الشيوخ لمدة 10 أيام على الأقل. وهذا يهدف لضمان قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات. ومن أجل استمرار هذه التعيينات، يتعين أن تتم الموافقة عليها قبل انتهاء دورة انعقاد مجلس الشيوخ. وبعدما تحدث ترامب عما يعتزم القيام به، أعرب أبرز المرشحين لزعامة الأغلبية في مجلس الشيوخ عن تأييدهم له. وقال النائب عن ولاية فلوريدا ريك سكوت “أتفق معك بنسبة 100%. سأبذل قصارى جهدي لتمرير ترشيحاتك في أسرع وقت ممكن”. كما أعرب النائبان، عن داكوتا الجنوبية جون ثون، وعن تكساس جون كورنين عن تقبلهما لهذا الرأي.
*نشرت في العربي الجديد يوم 12 تشرين الثاني / نوفمبر 2024
Leave a Comment