جمال حلواني
بيروت 21 أيلول 2024 ـ بيروت الحرية
لا سهوا ولاصدفة ولا عن طريق الخطأ أن توغل السلطة اللبنانية عاما بعد عام في طمس الحقيقة، ورفض الاعتراف أن ثمة مأساة وطنية حصلت في هذا البلد تستوجب المعالجة، نعني بها قضية المخفيين والمفقودين قسرأ.
بعد اربع وثلاثين عاما على انتهاء الحرب الاهلية، و اقراراتفاق الطائف باعتبارة الدستور اللبناني، لم تهدأ المحاولات لتجاهل ملف المفقودين بالتواطؤمع اغلب القوي التى خاضت الحرب. متجاهليبن أن هذه القضية هي قضية وطنية و اجتماعية وانسانية بامتياز تمس وجدان ووحدة وذاكرة الشعب اللبناني.
الامر الذي يدلل بوضوح على قصور الجهود المبذولة من جانب السلطات اللبنانية وحكوماتها المتعاقبة للكشف عن مصير الالوف من المفقودين، و تلكوئها عن انشاء قاعدة بيانات تتضمن عينات من الحمض النووى من افراد عائلات مفقودي الحرب .
إن أبسط واجب السلطة الرسمية هو المضى قدما في تقصى مواقع المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، لوضع حد لمحنة العائلات المنتظرة اخبار مفقوديها، ومعرفة الحقيقة بشان مصيرهم، وقطع مرور الزمن الثقيل على هذه العائلات التى يُشاهَد الدمع في عيونهم، ويرسم الألم على وجوههم خطوطا لا تُمحى، ويُنهك الوجع اجسادهم، بعد أن يكون قد رحل من رحل، ونحن على عتبة بلوغ خمسين عاما على بدء الحرب الاهلية.
وعليه، يجب التوقف امام اجراءات السلطات السياسية المتعاقبة لتمييع قضية المفقودين :
– اصدار قانون العفو العام الذى اقرة مجلس النواب اللبناني في 27 آب1991 .
– قانون رقم434 الذي اقرة مجلس النواب أيضا في 25 ايار 1995 ويسر بموجبه الاصول الواجب أتباعها لإثبات وفاة المفقودين.
– تشكيل لجنة التحقيق والاستقصاء عن مصير جميع المفقودين المعروفة باسم (لجنة ابو اسماعيل )، التى انشئت بمرسوم حكومي وقعه رئيس الوزراء سليم الحص في 21 كانون الثاني عام 2000 ، حيث افادت اللجنة أنه لم يتبين وجود أي مخطوف على قيد الحياة، وذكرت أنها تأكدت من عدم وجود مخطوفين لدي جميع الاحزاب والتنظيمات التى عملت على الساحة اللبنانية حتي عام 1990. ولذلك اعتبرت اللجنة أن جميع المخطوفين والمفقودين الذين مرَّ على اختفائهم مدة اربع سنوت وما فوق، ولم يُعثر على جثثهم، هم في حكم المتوفين. وبالتالي توصي اللجنة بالايعاز إلى ذويهم مراجعة القضاء المختص لإثبات الوفاة بصورة قانونية.
- كما شكلت لجنه النائب فؤاد السعد في حكومة الرئيس رفيق الحريري.
- وتشكلت أيضا اللجنة السورية اللبنانية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي .
كل هذه القوانين واللجان هي اجراءات تمييع، هدفت لإعطاء صك براءة لكل الأحزاب والمليشيات التي مارست القتل والخطف والتدمير، ونالت شرف العفو العام، ورفعت المسؤولية عن سلطة لا تريد ان تتحمل اعبائها القانونية والاجتماعية والمالية وتبعاتها السياسية .
وعلى الرغم من استمرار تمييع القضية سنوات طويلة فقد انتزعت لجنة اهالي المفقودين والمخفيين قسرا القانون 105/2018 الصادر في30-11-2018 .
لكن لم تنته معاناة الاهالي حتي بعد تشكيل الهيئة الوطنية في سنه 2020 بموجب القانون105/ 2018 رغم الجهود المضنية التى بذلت من لجنة الاهالي لتطبيق القانون بشكل جيد، بما يتيح لهم تقصى أثر احبائهم و الكشف عن مصيرهم، لا استجابه من المعنيين. وهنا لا بد وأن نشير إلى أن هذا القانون لا يعاقب المرتكبين عن ارتكاباتهم في الماضي، بل يعاقب كل من يتنكر لحق المعرفة من خلال اخفاء معلومات قد تفيد في الكشف عن الحقيقة .
الصمت القاتل المشبوه حيال قضية المفقودين والمخفيين سواء في لبنان او سوريا، لم يتوقف حتى الآن. واعتمدت السلطات السياسية التشريعية والتنفيذية صيغة الصمت والتمييع لرفع المسؤولية عن الخاطف وكي يبقى القاتل مجهول الهوية.
ويكمن عطب قضية المخطوفين أيضا في عدم تبني، وحتى ادارة الظهرمن جانب القوي الديمقراطية والوطنية و المؤسسات والهيئات الاجتماعية من قوى مدنية وجمعيات نسائية وحقوقية وقانونية التى تكتفي بتنظيم الاحتفالات الفولكلورية في بعض المناسبات.
أين دور الناشطين الحقوقيين والقانونيين؟ لماذا لم تبادر نقابة المحامين ومنظمات حقوق الانسان إلى تبني قضية المفقودين على الصعيد اللبناني. لقد تهربوا جميعا من قضية تحمل اشتباكا مع قوى الحرب الاهلية المتمثلة في السلطة، وهم جميعا مشاركون في محاصصة سياسية واجتماعية واقتصادية. لقد غيبت السلطة ومعها القوى الاجتماعية برمتها هذه القضية، و اصبح التعاطي معها على أنها قضية انسانية وإشفاق على هؤلاء الذين لم يعودوا بعد، لتصبح معها قضية الخطف ومفاعيلها غير قابلة للحياة .
لقد استمر الاهالي وغالبيتهم من النساء وابناء وبنات المخفيين، في احياء قضيتهم منفردين من دون أي دعم سنوات طويلة، في النزول إلى الشارع و الهتاف مطالبين بعودة أحبتهم ومعرفة مصيرهم. لقد حصلت هذه الكوكبة من المناضلات على دعم دولي من الصليب الاحمر الدولي وبعض الشراكات الدولية العاملة على الدفاع عن حقوق الانسان. ورغم تدويل القضية وكل التحركات والتضامن الدولى، لم نجد صدىً داخلياً. لقد تبرأ الجميع منها وغسلوا ايديهم كما فعل بيلاطس بدم السيد المسيح.
الجرائم ضد الانسانية والخطف من حيث المبدأ، جرائم تمس كل فرد من الافراد، هي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع المحلي والدولي لتطبيق القانون بما يقود إلى عدم تكرار ماساة الخطف وفقدان الافراد مهما كانت حجم النزاعات.
في الذكرى الثانية والاربعين لخطف الرفيق عدنان حلواني نستذكر كل المفقودين والمخفيين قسراً لأي جهة انتموا ، ولنسقي مع لجنة الاهالي أشجار زيتون المفقودين في كل بقعة من بقاع لبنان تكريسا للسلام الحقيقي. فشجرة زيتون هي رمز العطاء والحياة المستمرة، كما أنها ترمز إلى صلابة اهالي المفقودين على مدار 42 عاماً، وتمسكهم بمعرفة مصير احبائهم. ارادت اللجنة هذه الأشجار رمزا دائما للأمل، ومن اجل العدالة والمصالحة الحقيقية. على أن تصبح شجرة المفقود خطوة ضرورية لتحقيق المزيد من التضامن والدعم لقضية المفقودين وعائلاتهم، وفرض تطبيق القانون 2018/105(المفقودون والمخفيون قسرا )
الرفيق عدنان حلواني عضو المكتب السياسي في منظمة العمل الشيوعي في لبنان خطف في 24 ايلول سنة 1982 من منزله في منطقة راس النبع وما يزال مصيره مجهولا .
خطف عدنان حلواني فجر قضية بحجم الوطن.
عدنان تحية لك كيف وأينما كنت. ومستمرون مع وداد ورفيقاتها في النضال لمعرفة مصائر كل المفقودين، و مع كل شجرة زيتون نزرعها ونسقيها حتى تكبر، يولد فجر جديد أكثر عدالة وحرية.
Leave a Comment