* ابراهيم حيدر
أكثر من مليون و200 ألف لبناني نزحوا من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع إلى مناطق آمنة، جراء الحرب الإسرائيلية التدميرية التي تطال كل لبنان. بين النازحين هناك نحو 400 ألف تلميذ وطالب من المدارس الرسمية والخاصة والجامعة اللبنانية باتوا خارج التعليم حيث تعمل وزارة التربية على إعادة الحاقهم بالمدارس عبر التعليم عن بعد، بعدما انتهت من جمع الداتا واستكمال التسجيل الكترونياً. وحتى الآن لا تزال المعوقات ماثلة في إعادة تسيير النظام التعليمي كاملاً، على الرغم من استئناف التعليم الخاص الدروس حضورياً وعبر الأونلاين، إذ أن أكثر من 600 مدرسة رسمية في المناطق الآمنة تحولت إلى مراكز إيواء، وبالتالي تحتاج التربية الى إمكانات ودعم لتنفيذ خططها خصوصاً إذا طال أمد الحرب ما يؤدي الى أزمات في مجتمعات النزوح.
قدرة النظام التعليمي على الصمود أو حتى الاستمرار باتت تشكل هاجساً لدى القيمين على قطاع التربية، إذ أن الضغوط التي يتعرض لها كبيرة. الاخطر أن ارتدادات الحرب على النظام التعليمي المدرسي والجامعي باتت تعصف بكل مكوّناته. وإذا كانت طاقة التربية على التحمل مرتبطة بقدرة لبنان على مواجهة الأزمة الاخطر في تاريخه حيث الكلفة كبيرة على كل القطاعات، إلا أن الأعباء على التربية سترتب نتائج كارثية في حال لم ينظر إليها كقطاع له أولوية الى جانب الغذاء والصحة والحماية، فإذا سقط العام الدراسي لن يكون من السهل تعويضه والتأثير سينسحب على الجميع وليس فقط على النازحين.
يحتاج التعليم والجامعات الى الدعم والاحتضان، ليس من الدولة المفلسة غير القادرة على الاستجابة للحاجات إنما في شكل أساسي من الجهات المانحة والدول التي تقدم المساعدات في الأزمات، والتمويل. ويتبين أن قطاع التربية يحتاج في الأزمة الحالية إلى نحو 25 مليون دولار ليتمكن من توفير التعليم في ظل الحرب والنزوح، وفق ما تشير تقارير إحصائية، إلا أنه لم يتأمن اي مبالغ له، ضمن بيانات الحاجات الرسمية، فيما تأمنت للقطاعات الأخرى أكثر من 450 مليون دولار كمساعدات دولية وعربية منذ أن توسع العدوان الإسرائيلي، وذلك على الرغم من مناشدة التربية المساعدة خلال لقاء موسع مع ممثلي الجهات المانحة ضمن جهود مواجهة تداعيات الحرب.
تحاول التربية هيكلة التعليم ضمن الظروف الراهنة في مراكز الإيواء وفي خارجها انطلاقاً من مبدأ إبقاء التدريس حاضراً ولو بالحد الادنى، لكن المشكلة تبقى في تنظيم المراكز باعتبارها موقتة، وحماية التلامذة في ظل مخاوف من التسرب، إذ لا يمكن التسليم بأن تصبح المباني المدرسية مراكز دائمة للإيواء خصوصاً أن غالبية النازحين هم من طائفة واحدة. وهذا الامر يفاقم الوضع ويزيد من الاعباء لا بل قد يؤدي إلى كارثة محدقة، لا يمكن للتربية تحملها كما لا طاقة للبلد كله على استيعابها وهذا يستدعي مقاربة مختلفة للخروج من الأزمة.
* نشرة في جريدة النشر بتاريخ 17 تشرين الاول 2024
Leave a Comment