مجتمع

ضحايا الغارات الاسرائيلية من السوريين: دولتهم ليست مسؤولة عنهم!

الجنوب – بيروت الحرية

لولا البيان الذي نقلته وكالة سانا السورية عن وزارة الخارجية السورية حول مقُتل 10 أشخاص على الأقل – بينهم طفلان- وأصيب آخرون في غارة إسرائيلية على وادي الكفور في قضاء النبطية جنوبي لبنان فجر السبت الماضي لما عرف كثيرون أن الضحايا هم من التابعية السورية الذين لجأوا إلى منطقة باتت أمامية ومعرضة لعمليات القصف الإسرائيلي. أي أن هؤلاء الذين سبق وأرغموا على مغادرة بيوتهم لم يخطر ببالهم أن يعودوا إلى بلادهم خلال الأشهر العشرة الفاصلة عن انفجار القتال جنوباً، وفضلوا البقاء رغم احتمالات المخاطر المرتفعة.
الوكالة الوطنية للإعلام أعلنت أن القتلى هم مواطنون سوريون يعملون في منشأة صناعية، أما الجيش الاسرائيلي فوصف ما هاجمته طائراته بأنه مستودع أسلحة عائد لحزب الله في منطقة النبطية.
وكان عدد شهداء حزب الله عدا المدنيين اللبنانيين والسوريين قد ارتفع إلى 412 منذ بدء المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي اليوم التالي لمصرعهم، أي في 18 الجاري جرى نقل جثامين هؤلاء من براد مستشفى الشيخ راغب حرب في تول، وتسليمهم إلى الهلال الأحمر السوري عند معبر المصنع الحدودي في البقاع، ليتم دفنهم في قراهم السورية.
البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السورية في 17 الجاري ونقلته وكالة سانا أكثر من معبِّر، وقد تضمّن إدانة الوزارة للقصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى سكني يؤوي سوريين في جنوب لبنان. واعتبرت هذا القصف انتهاك للقوانين الدولية وجريمة موصوفة ضد سيادة لبنان. وأضافت:” لقد ارتفعت في جميع أنحاء دول العالم ومدنها أصوات القوى الحرة المطالبة بلجم العدوان الصهيوني ووقف المجازر التي يرتكبها في فلسطين وخارجها ومعاقبة مرتكبيها، إلا أن قادة الكيان العنصري الصهيوني زادوا من دمويتهم وتحديهم لشعوب العالم. وتبين أن الإرهاب الذي يمارسه هؤلاء الصهاينة لا حدود له … تدين الجمهورية العربية السورية بشدة هذه المجزرة الصهيونية الجديدة مثلما أدانت المجازر الصهيونية في قطاع غزة. ورأت فيها جريمة موصوفة ضد سيادة لبنان وسلامة أراضيه وتهديد السلم والأمن في المنطقة. وتجدد سوريا تضامنها الثابت مع لبنان وتعاطفها مع أسر الضحايا ووقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق في وجه ما يتعرض له من عدوان مستمر”.
إلى هنا ينتهي البيان. ويشعر من يطلع على مضمونه أن الضحايا ليسوا سوريين، ولا يحملون هوية دولة اسمها سوريا، إذ يمكن لأي كان أن يتضامن مع ضحايا من المدنيين العاملين الذين سقطوا بغارة جوية استهدفت مكان عملهم، لكن موضوع هؤلاء العشرة أخطر من ذلك. فالمعروف أن عشرات الألوف من السوريين جرى تهجيرهم بقرار سياسي وتحت وطأة البراميل المتفجرة والغازات السامة والغارات الجوية التي ألقيت على المدن والقرى واستهدفت المواطنين العزل. ودفعت الناس إلى الرحيل بعد ما تعذرت إقامتهم في بيوتهم. وعندما استقرت خطوط التماس، لم يبدُ أن عودة هؤلاء مرحب بهم. بالعكس من ذلك فقد أُخضع من عادوا بعد حديث المصالحات الممجوج إلى تحقيقات مطولة قادت معظمهم إلى السجون التي هربوا بالأصل من سمعتها “العطرة”. وكان من الواضح أن تهجيرهم تم بقرار سياسي له أبعاده الطائفية والمذهبية والسياسية. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية لترغم عشرات ومئات الألوف على الالتحاق بمن سبقهم في لبنان بعد أن تعذر عليهم تأمين الحد الأدنى من المأكل والمشرب لهم ولعائلاتهم. المهم أن بيان الخارجية السورية لم يعطف على ما عاناه هؤلاء طوال 13 عاما بالتمام والكمال. ومثل هذا التجاهل هو أمر بديهي باعتباره يدفع إلى السؤال عمن هجرهم من بلادهم هل هو النظام أم الزلازل التي تعرض لها الشمال السوري والجنوب الغربي التركي ؟!.
المهم أنه خلال الأشهر المنصرمة حدثت ضجة في الأوساط السياسية اللبنانية حول اللاجئين السوريين في لبنان تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والمالي الذي ترزح تحته أثقاله البلاد. ومع أن البعض حاول أن يُلبس هؤلاء عبء ما يجري على الصعيد الاقتصادي والمالي والخدماتي، إلا أن ذلك لم يحرك السلطة السورية التي تريد ثمن إعادتهم مدفوعا بالعملة الصعبة من الاتحاد الأوروبي، التي تريدها لتعويم مؤسسات الدولة المهترئة بعدما بات اقتصاد البلاد في الدرك الأسفل من القاع ويعتمد نسبياً على تجارة الكبتاغون وأخواتها من مشتقات.
خلال الشهر الجاري في لبنان وتحت وطأة خطر الحرب الشاملة، بادرت السفارات والقنصليات الغربية والعربية إلى دعوة مواطنيها إلى الرحيل عن لبنان والعودة إلى بلادهم بأسرع وقت ممكن، أو إلى أي مكان يتسنى لهم التوجه نحوه، فما هو متوافر اليوم من طيران قد لا يظل متوافر غداً. واحدى السفارات دعت مواطنيها العاجزين عن تأمين ثمن تذكرة السفر إلى مراجعتها لمعالجة الامر. كل الدول عمدت إلى تكرار نداءاتها للمغادرة لبنان مرة ومرات باستثناء السفارة السورية التي اعتبرت أن إقامة اللاجئين السوريين في لبنان أمراً طبيعياً، لا يستوجب منها المبادرة إلى أي إجراء أو تصرف. وهكذا تُرك هؤلاء تحت رحمة ما يجري في الجنوب وسواه.
“المرصد السوري لحقوق الإنسان” أعلن أنه “مع مجزرة الكفور ارتفع عدد الشهداء السوريين في لبنان منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى 29 بينهم، سيدة و8 أطفال، وإصابة 16 آخرين”
ونشر المرصد “تفاصيل سقوط الشهداء والجرحى السوريين في لبنان: 17 آب، استشهد 10 وأصيب 3 لاجئين سوريين في وادي الكفور بقضاء النبطية، 11 آب، أصيب 7 لاجئين سوريين في منطقة معروب – دردغيا، 1 آب، استشهد 4 لاجئين سوريين(أم وأولادها)، بغارة جوية إسرائيلية على بلدة شمع جنوب لبنان، 31 تموز، استشهد لاجئ سوري وأصيب آخر بجروح، نتيجة قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية في بلدة كفر رمان جنوب لبنان، 20 تموز، أصيب 4 أطفال من الجنسية السورية بجروح متفاوتة، نتيجة استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في منطقة برج الملوك جنوب لبنان، 17 أيار: قتل أب سوري و3 من أطفاله نتيجة غارة جوية إسرائيلية في بلدة النجارية قرب صيدا اللبنانية”. كذلك أفاد المرصد بأنه “في 16 تموز، استشهد 5 سوريين بينهم 3 أطفال، بضربات جوية إسرائيلية على لبنان، حيث استشهد 3 أطفال من أبناء عفرين بغارة إسرائيلية، استهدفت أرضا زراعية في بلدة أم التوت، كما استشهد شابان باستهداف طائرة مسيرة، لدراجة نارية على طريق كفرتبنيت – الخردلي، 10 شباط: قتل شاب سوري نتيجة استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية سيارة داخل بلدة جدرا جنوب لبنان، 24 آذار: مقتل سوري جراء استهداف سيارة بغارة جوية إسرائيلية في بلدة الصويري في البقاع الغربي”.
يتصرف النظام السوري أنه غير مسؤولة عن مواطنيه، لذلك لا يعبأ بمصيرهم: غرقى في البحر أو قتلى بشظايا قذائف العدوان الإسرائيلي أو… المهم أن بقاؤه حاكماً حتى ولو على أكوام من جماجم العباد وأنقاض القرى والمدن.

Leave a Comment