أديب نعمة*
لم أكن على علاقة شخصية مباشرة مع محسن إبراهيم. كنت استمع اليه في بعض المهرجانات واللقاءات العامة، استمع او اقرأ مقابلات معه في وسائل الاعلام. كما كنت التقيه أحيانا على مدخل مكان اقامته او على باب المصعد، حيث كان أيضا مركز الحزب الشيوعي (في وطى المصيطبة) الذي كنت منتسبا اليه، وذلك بعد انتقالي الى بيروت لمتطلبات العمل الحزبي.
قبل ذلك كنت أقيم في طرابلس حيث انتسبت الى الحزب بداية السبعينات متحدرا من عائلة كان عدد غير قليل من افرادها أعضاء في الحزب او أصدقاء ومؤيدين، ولم تعرف انتماءات حزبية أخرى. وخلال العمل الطلابي في الثانوية تعرفت الى الرفاق في منظمة العمل الشيوعي، وكذلك في القبة (في الحي الذي كنت اسكن فيه) وفي طرابلس عموماً. كانت العلاقات بين الحزب والمنظمة جيدة، وقد تجاوزت مراحل التنافس التي لا تخلو من بعض المراهقة السياسية كما اخبرني لاحقا رفاق عاشوا تلك المرحلة، لا بل تنقلوا بين المنظمة والحزب واحيانا أحزاباً أخرى، قبل ان يستقروا في الحزب. اما انا فلم أعش شخصيا هذا الشعور التنافسي حيث إننا في الشمال كنا معزولين نسبيا عن مناخات المركز واستقطاباته الحادة، أضافة الى طباعي الشخصية البعيدة عن أي تعصب.
في طرابلس تعرفت الى المنظمة في الثانوية أولاً، حيث لم يخل الامر من بعض المناوشات اللطيفة في ما يخص الانتخابات والتحركات الطلابية. مناوشات لم تفعل سوى تعميق الراوبط والصداقة الشخصية التي تعززت اكثر بعد 1975. كانت صورة منظمة العمل الشيوعي بالنسبة إليَّ صورة هؤلاء الرفاق والأصدقاء الشخصيين المرحوم علي صادق وشخصيته اللطيفة والمحببة، ومحمود طيبة زميل الدراسة الثانوية، وابن عم محمود طيبة الكبير، وسليمان دملج، وصديقي ورفيقي الذي كان مقعده بحوار مقعدي في الصف وجاري في السكن في القبة، لويس بالشيون الذي لم اكن أميز بين كونه في الحزب أو المنظمة، وكذلك الشهيد علاء عكاري جاري في القبة، أو أبو ربيع وأبو داوود ….الخ. كما أن شخصاً آخر من قيادة المنظمة كان له حضور في وعي جيلينا في السبعينيات وهي نهلة الشهال، التي كانت شخصية كاريزماتية، ولها حضور مؤثر وأثرَّ على جميع اليساريين في ذلك الوقت، ميزتها عن باقي القيادات، لاسيما في صفوف الطلاب الثانويين الذين كانوا يصغرونها بسنوات قليلة.
اذكرهم لأنهم كانوا صورة منظمة العمل في عقلي في تلك المرحلة، وللرابط الذي نشأ معهم والذي كوَّن صورة منظمة العمل الشيوعي في عقلي، وصورة قيادتها التي لم اعرفها عندما كنت في طرابلس، كما أني لم احتك بها مباشرة حتى عند انتقالي في بيروت. كان محسن إبراهيم بالنسبة إلى صورته التي كونتها في رأسي، والتي لا اعرف مدى دقتها مقارنة بمن عرفوه عن قرب. بالنسبة اليَّ كان محسن إبراهيم نوعاً من الشقيق التوأم لجورج حاوي، لا يقل عنه كفاءة ونضالية وذكاء. وكان الاسمان متلازمان في كل ما يتصل بالحركة الوطنية وقائدها كمال جنبلاط. هذا الثلاثي الذي صنع هذه التجربة بكفاءة كبيرة، وصنعا صورتها المتألقة، وتحالفاتها مع الكفاح الفلسطيني والامتدادين العربي والدولي.
وفي الحزب ومناقشاته السياسية، كانت الحركة الوطنية ومحسن إبراهيم حاضراً دائما معنا، فهو “أبو خالد” (كما أن جورج حاوي هو أبو أنيس)، واللقب دليل زمالة وتقارب، لا بل أن صفته كصاحب بديهة وذكاء مميز وروح النكتة كانت تذكر من قبل رفاقنا القياديين القادمين من بيروت لعرض الوضع السياسي، وكانت وجهة نظره بين الحين والآخر، حجة إضافية على دقة التحليل والموقف.
عرفته صورة عن قائد إذن، في علاقة وثيقة مع حزب شقيق رغم منابع التأسيس المختلفة. وقد عشت صورة هذا التقارب، وصورة الثنائي الحزب – المنظمة، أبو أنيس – أبو خالد، بشكل مشابه جداً في طرابلس (والشمال) في العلاقة المميزة التي ربطت بين الحزب والمنظمة في المحافظة. مكتبان متجاوران في ساحة الكورة في طرابلس، وثنائي الراحلين محمود الواوي وعبد الفتاح سوق (مسؤولي الحزب والمنظمة في الشمال) اللذين كنت اشبه علاقتهما كثيراً بعلاقة جورج حاوي ومحسن إبراهيم. كان عبد الفتاح سوق (واحمد الأمين الذي رحل مؤخراً) متواجداً بشكل شبه يومي في مركز الحزب، وكان له كرسي دائم في مكتب محمود الواوي، وكان صورة محسن إبراهيم في طرابلس والشمال.
هكذا هو محسن إبراهيم بالنسبة اليَّ، هو صورة الحركة الوطنية وعلاقة وثيقة بين حزبين كانا نواة يسار ناضج ومنفتح نحن بأمس الحاجة إليه اليوم. أما ما افتقده في محسن إبراهيم اليوم، فهو أنه كان صامتاً في سنواته الأخيرة في حين أننا كنا نحتاج إلى سماع رأيه بحكم ما يتمتع به من تجربة وخبرة، كما أننا ما زلنا نحتاج اليوم إلى قراءة بعضاً من الكنز التجارب والمعارف التي كونها على امتداد حياته الغنية، والتي آمل أن يكون قد تركها مكتوبة أو مسجلة في مكان ما، وأن يستطيع الرفاق في المنظمة وضعها بين أيدينا.
بيروت 27 أيار 2021
*باحث سياسي لبناني
Leave a Comment