ملخص
اضطر سكان غزة إلى بيع ممتلكاتهم الخاصة، ومن أبرزها الخلاطات الكهربائية وبطاريات حفظ الطاقة والملابس والسجاد والفرش والحواسيب المحمولة.
خلف بسطة صغيرة وقف رأفت ينادي “شقا عمري للبيع” ويشير بيده إلى خلاط كهربائي جلبه معه من بيته وعرضه في السوق الشعبية لبيعه. في حواره مع أحد المارة يقول الرجل “اشتريت هذا الجهاز بنحو 90 دولاراً، لكن الفقر والحاجة لشراء الطعام أجبراني على بيعه”.
بقيمة 30 دولاراً كان رأفت يعرض خلاطه الكهربائي للبيع ويردد عبارة “هذا الخلاط له 10 قطع ويقوم بمهام متعددة” في محاولة للترويج للجهاز المستعمل وبيعه، وفي الوقت نفسه يراقب أسعار الطعام إذا كان قد طرأ عليها أي انخفاض.
“استعطاف”
انقطاع الكهرباء لأكثر من تسعة أشهر متتالية بسبب توقف محطة توليد التيار دفع رأفت إلى بيع أجهزة مطبخه الإلكترونية، إذ يعتقد أن إسرائيل لن تسمح بتزويد قطاع غزة بالكهرباء لفترة طويلة جداً، ولهذا يفضل بيع أغراضه ليشتري الطعام لصغاره.
بعد نصف ساعة من عرض الخلاط للبيع سأل زبون عن ثمنه، فأجاب رأفت “30 دولاراً، وصدقني سأشتري بها حمصاً وجبناً ومعلبات تونة، وفي نفس طفلي فاكهة العنب سأشتري قطفاً واحداً صغيراً له”.
تمت عملية البيع بصعوبة، يقول رأفت “الأمر أشبه باستعطاف الناس، قبل الحرب كنت أعمل في الدهانات، لكن بسبب القتال توقفت حرفتي، وأنفقت جميع مدخراتي في الأشهر التسعة الماضية، اليوم أضطر إلى بيع ممتلكات بيتي لأجل إطعام صغاري، هذا مؤلم للغالية، لكنه الحل الوحيد المتاح أمامي”.
بيع الملابس
في السوق الشعبية ذاتها انتشرت بسطات كثيرة لأشخاص يرغبون في بيع أغراضهم الشخصية للحصول على المال أو لشراء الغذاء، فهذه ماجدة التي تقف خلف كومة من الملابس المستهلكة”. تقول “هذه ليست قطع من البالة، هذه الملابس عزيزة على قلبي لأنها كانت لأطفالي الصغار، وكنت أحتفظ بها للذكرى، لكن بسبب طول فترة القتال توقف زوجي عن العمل، فاضطررت إلى بيعها”.
تعرض ماجدة قطعة صفراء جميلة للبيع وتنادي عليها “بلوزة محمود ابني للبيع مقابل ثلاثة دولارات فحسب، من يشتريها؟ ما زالت رائحة صغيري عليها”، وما إن تكمل جملتها حتى تنهار باكية وهي تحتضن ملابس أولادها. وتضيف ماجدة “الطعام ارتفع سعره كثيراً وبات من الصعب شراء الغذاء، لذلك اقترحت على زوجي بيع ملابس الأطفال، وأقنعته حين قلت له إن النازحين لم يجلبوا معهم ملابسهم، وإنهم في حاجة إلى هذه القطع، وإننا بذلك نكون قد قمنا بعمل فيه الخير والمنفعة ووفرنا المال لشراء الطعام في الوقت ذاته”.
اقتنع زوج ماجدة بالفكرة، لكنه رأى أن الموقف مخجل، ومن شدة الحاجة إلى المال أجبرت زوجته على النزول بنفسها لبيع قطع الملابس وشراء الطعام لأطفالها.
تضخم الغذاء
فعلياً تضخمت أسعار الطعام في غزة كثيراً، وبات الحصول على الطعام أمراً صعباً، إذ وصل ثمن كيلوغرام من الطماطم إلى ثلاثة دولارات، والبطاطا نحو سبعة دولارات، أما البصل والفلفل الأخضر فإن الكيلوغرام الواحد منهما يصل إلى 10 دولارات.
بالنسبة إلى الفاكهة وصل سعر كيلوغرام العنب إلى 10 دولارات، والمانغو 25 دولاراً، أما الخوخ فثمنه تسعة دولارات، فيما بلغ سعر كيلوغرام الشمام والبطيخ ثلاثة دولارات، والرمان 12 دولاراً. أما أصناف الطعام الأخرى مثل اللحوم فقد بلغ سعر كيلوغرام اللحم البقري 41 دولاراً، وتراوح سعر الدجاج ما بين 17 و21 دولاراً، في حين تخطى سعر الدجاجة الواحدة وزن كيلوغرام الـ39 دولاراً.
بيع الممتلكات
تعلق شيماء قائلة “هذه الأسعار أجبرتني على بيع ممتلكات منزلي تدريجاً، لقد عرضت الصحون والمعالق والملابس والسجاد والفرش وأغطية الشتاء، وحتى بطاريات حفظ الطاقة وغالونات تعبئة المياه وستائر البيت وأسطوانات الغاز، كلها عرضتها للبيع”. وتضيف “الأوضاع شديدة الصعوبة، وقلة من يملكون تأمين القوت لعائلاتهم، هدفي الأساس والأهم في هذه الأيام العصيبة هو توفير الطعام والشراب لأبنائي، وبعد الحرب يمكننا تعويض كل شيء”.
ولشراء بعض المستلزمات لأطفالها اضطرت رغدة إلى بيع حاسوبها المحمول، وتقول “في خيمتي لا توجد قطع مايلون تكفي لسد بعض الثغرات ولا فراش ولا أغطية، ولتأمين هذه المستلزمات لصغاري قررت بيع حاسوبي”.
كان الحاسوب مصدر دخل رغدة الوحيد، إذ كانت تعمل عليه في التسويق الإلكتروني، وترددت في بيعه كثيراً، خصوصاً أن التجار يشترونه بسعر قليل، لكن الحاجة كانت أكبر. تقول “بعته بنحو 450 دولاراً، علماً أن سعره قبل الحرب كان يعادل 1000 دولار، المبلغ الذي تسلمته نفد بعد أيام بسبب غلاء الأسعار، وهذه حال الجميع مع استمرار الحرب”.
فقر غذائي
حذرت منظمة الصحة العالمية من تدهور أوضاع الناس في غزة لدرجة بيع الممتلكات للحصول على الغذاء، في وقت أكدت فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أن أكثر من 80 في المئة من الأطفال في القطاع يعانون فقراً غذائياً حاداً.
ويقول المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس “في غزة مجاعة تجبر الناس على بيع ممتلكاتهم الشخصية وحتى أثاث منازلهم، الناس يواجهون الجوع ويبيعون أمتعتهم مقابل الغذاء”.
اضطرت آمنة وهي سيدة مصنفة أنها من طبقة اجتماعية راقية إلى بيع مصوغاتها الذهبية التي جمعتها بعد أعوام طويلة من العمل، وكذلك عرضت سيارتها للبيع وتنتظر مشترياً. تقول “من أجل شراء قليل من الطعام بعت مصوغاتي الذهبية، وبسبب عدم توفر الوقود أعرض الآن عربتي للبيع، سأشتري بثمنها طعاماً”.
* نشرت على موقع اندبندت العربية بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2024
Leave a Comment