سياسة صحف وآراء

سر رفض الجيش الإسرائيلي التعديلات القضائية

خليل موسى*

آلاف من جنود الاحتياط يفرون من الخدمة الأمنية والعسكرية خوفاً من الملاحقة الدولية   

تعود المعارضة الواسعة في صفوف المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل لخطة التعديلات القضائية إلى الخشية من القضاء على “الدرع الواقي” الذي تمثله المحكمة العليا في وجه الملاحقات الدولية للعسكريين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب “جريمتي الحرب وضد الإنسانية”.

وتشهد المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل ظاهرة غير مسبوقة تتمثل في رفض آلاف من ضباط الاحتياط الخدمة احتجاجاً على تلك التعديلات، في ظل تحذيرات متعاظمة من أن يشكل ذلك خطراً على “تماسك وجاهزية الجيش الإسرائيلي”.

وكان مئات من قادة الأمن والجيش الإسرائيلي السابقين وقعوا رسالة بادرت إليها حركة “قادة أمن إسرائيل” للمطالبة بإلغاء تلك التعديلات.

ووصف الموقعون ومن بينهم رئيس جهاز الموساد الأسبق تامير باردو تلك التعديلات بأنها “ثورة في النظام ستؤدي إلى بكاء أجيال”.

وقال باردو إن تلك التعديلات “تلغي استقلالية السلطة القضائية وتجعل السلطات الثلاث بيد الحكومة”، مشيراً إلى أن ذلك يعني “أننا نمزق وثيقة الاستقلال إرباً إرباً وأن أساس توافقنا كإسرائيليين يتم تدميره”.

ورأى أن الحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو تدفع “نحو تأسيس دولة شريعة ودولة فصل عنصري”، مضيفاً أن “التعديلات القضائية المطروحة وسيلة لتنفيذ توجهات نتنياهو لأن المحكمة العليا حالياً تحول دون أي فصل عنصري في إسرائيل”.

فالتعديلات القضائية الأخيرة التي أقرها الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي تقلص من صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية لمصلحة الحكومة، في خطوة وصفها معارضوها بأنها تهدف إلى تأسيس “دولة ديكتاتورية”.

ولطالما رفضت إسرائيل محاكمة ضباطها العسكريين ومسؤوليها السياسيين أمام المحاكم الدولية “بسبب امتلاكها مؤسسة قضائية قوية ومستقلة”.

لكن الفلسطينيين يعتبرون أن المحاكم الإسرائيلية وعلى رأسها المحكمة العليا، توفر “غطاءً قانونياً لممارسات وجرائم الجيش الإسرائيلي”.

تلك المحاكم هي “بمثابة سور واق لإسرائيل في وجه الدول الغربية التي تستأنف على شرعية السياسة في أراضي ما بعد 1967، ومقابل محاكم دولية ترفع فيها دعاوى ضد إسرائيل بشبهة ارتكابها جرائم حرب”، وفق رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية إستير حيوت.

وأشارت مجموعة “طريقنا”، وهي إحدى حركات الاحتجاج على التعديلات القضائية، إلى أن المحكمة العليا “تمنع جهات عدة حول العالم من ملاحقة المقاتلين والمقاتلات في إسرائيل”.

ويرفض القضاء الدولي النظر في قضايا وقعت في أي من دول العالم إذا قام القضاء المحلي بالتحقيق فيها ومحاكمة الضالعين فيها.

ومن شأن التعديلات القضائية الحالية أن “تلحق ضرراً بالغاً بمكانة المحكمة الإسرائيلية العليا في العالم”، وفق الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية أنطوان شلحت “مما يشكل تهديداً لكل من خدم في الجيش الإسرائيلي”.

وأشار شحلت إلى أن إضعاف القضاء الإسرائيلي “يفتح ثغرة أمام الفلسطينيين ومناصريهم حول العالم للقول إن القضاء تابع للسلطة التنفيذية الإسرائيلية، بالتالي يمكن التشكيك في نزاهته والمطالبة بمحاكمات دولية عادلة”.

ونبه إلى أن الخشية من الملاحقات الدولية للإسرائيليين هو السبب الرئيس في تزايد رافضي الخدمة العسكرية في صفوف جنود الاحتياط.

“المحكمة العليا هي رصيد استراتيجي للدولة ودرع واق في مقابل محكمة لاهاي الدولية”، كلمات أطلقها العضو السابق في المحكمة إلياكيم روبنشتاين، مضيفاً “الجهاز القضائي يخدم دولة إسرائيل بكل الولاء وإضعافه بمثابة إضعاف للدولة”.

واعتبر المتخصص في الشأن الإسرائيلي أليف صباغ أن فقدان المحكمة العليا استقلاليتها “سيفتح الباب أمام المحكمة الجنائية والمحاكم الدولية الأخرى لاستدعاء مجرمي الحرب”.

وقال إن “معظم القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية تعارض التعديلات القضائية خوفاً على صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية تنسجم مع الدول الغربية”.

ويرى مدير مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان شعوان جبارين أن إضعاف القضاء الإسرائيلي “يفتح المجال أمام السلطة الفلسطينية وجهات أخرى لتقديم شكاوى ضد الضباط والجنود الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب”.

وأوضح أن تلك التعديلات ستؤثر في صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية وستفقدها الثقة العالمية الموجودة حالياً بقضائها المستقل.

وتمسك بأن “ذلك يوفر فرصة للفلسطينيين للدفع قدماً والقول إن القضاء الإسرائيلي متورط في الجرائم وإن قضاة المحكمة العليا يتحملون المسؤولية عن جرائم الحرب ضد الفلسطينيين”.

ومع ذلك فإن الفلسطينيين يدركون منذ عقود، بحسب جبارين، بأن القضاء الإسرائيلي يستطيع ولكنه لا يريد محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب في إسرائيل”، مشيراً إلى أن المحكمة الجنائية فتحت التحقيق في شأن فلسطين لأن تل أبيب ليست معنية بالتحقيق الجاد والمحاكمات العادلة.

وأرجع المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان ادزياد ظاهرة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية إلى الخشية من الملاحقة أمام المحاكم الدولية، موضحاً أن “إضعاف الجهاز القضائي يفتح المجال أمام تقديم شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد منفذي الهجمات ومصدري الأوامر بتهم ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية”.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن الاحتجاجات المتواصلة في إسرائيل تدعو إلى “إبقاء الجهاز القضائي قوياً لبتّ الشكاوى ضد المسؤولين والضباط الإسرائيليين وعدم إتاحة الفرصة للقضاء الدولي للقيام بذلك”.

*نشرت في  الاندبندنت العربية يوم السبت 29 تموز / يوليو 2023

Leave a Comment