بقلم: قاسم قصير
الاربعاء 2 حزيران 2021
في رواية “شريد المنازل” للكاتب اللبناني جبور الدويهي والتي كانت من ضمن اللائحة القصصية لجائزة بوكر العربية قبل عدة سنوات، يروي الكاتب حكاية شاب لبناني عاصر بدايات الحرب الأهلية في لبنان، وخصوصا تلك المرحلة الممتدة منذ الخمسينيات من القرن العشرين وحتى بدايات الحرب في العام 1975.
ويستعرض الكاتب بعض مآسي الحرب الأهلية اللبنانية وحكايات القوى اليسارية والشيوعية والفلسطينية، والتي كانت تناضل للدفاع عن القضية الفلسطينية، وتتبنى تغيير النظام اللبناني الفاسد وتدعو لمناصرة الفقراء والمظلومين والمضطهدين، وترفض الخطاب الطائفي والمذهبي. وفي المقابل كانت القوى اليمينية وبعض الأحزاب اللبنانية تدّعي الدفاع عن لبنان وترفض التدخلات الفلسطينية وتدعو إلى مواجهة الشيوعية.
ولكن الطرفين غرقا في وحول الحرب الأهلية الداخلية، وتحول لبنان إلى ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، ودخل الجيش الاسرائيلي على الخط من خلال اجتياح لبنان لمرتين (1978 و1982) وشن اكثر من عدوان واسع (1993، 1996، 2006)، إضافة للاعتداءات المستمرة حتى اليوم.
كما شاركت الجيوش العربية ومنها الجيش السوري في هذا الصراع وفي مراحل مختلفة. وكان يفترض أن يؤدي اتفاق الطائف الذي وقع في المملكة العربية السعودية عام 1989 أن ينهي هذا الصراع المؤلم، لكن لبنان لا يزال يعاني من آثار الحرب وويلاتها. وكان السلم أشد قسوة على اللبنانيين من الحرب، وكما عبّر العلامة الراحل السيد محمد حسن الأمين في إحدى قصائده: والسلم أشّد إيلاما من الحرب.
وفي كتاب للملازم في الجيش اللبناني طارق عبد الله واسمه “المستنقع”؛ الكثير من المعلومات والحقائق التاريخية حول الحرب الأهلية اللبنانية. وقد انشق هذا الملازم من الجيش اللبناني الرسمي وانضم إلى جيش لبنان العربي؛ المتحالف مع الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية. ويروي عبد الله في هذا الكتاب بعض فصول الحرب التي بدأت دفاعا عن القضية الفلسطينية ومن أجل إصلاح النظام اللبناني الفاسد والطائفي، ومن ثم تحولت إلى صراع على المغانم والمصالح الحزبية والطائفية، وأدّت إلى إغراق لبنان في وحول الصراعات الداخلية والخارجية ولم تنته حتى اليوم.
هذه الرواية (شريد المنازل) وهذا الكتاب/ السيرة الذاتية (المستنقع)، يرويان بعض فصول الحرب الأهلية اللبنانية. وهناك عشرات الكتب والروايات والدواوين الشعرية والدراسات العلمية والتاريخية والسير الذاتية؛ التي تحدثت عن أسباب الحروب الأهلية اللبنانية ونتائجها الخطيرة، والأخطاء التي ارتكبتها القوى اللبنانية من كافة الاتجاهات السياسية والحزبية والتي أدت إلى اندلاع هذه الحروب ونتائجها الخطيرة. وبعض الكتّاب من السياسيين والحزبيين ومن الذين قاتلوا وشاركوا في هذه الحروب؛ يعترفون بـأخطائهم ويدعون للاستفادة منها كي لا تتكرر الحروب مرة أخرى، أو كي نخرج من دوامتها وآثارها الخطيرة المستمرة حتى اليوم.
وبالمقابل فإن العديد من الدول العربية عانت – ولا تزال – من هذه الحروب والصراعات المسلحة، وقد نشرت بعض الكتب والروايات والدراسات حول هذه الحروب والصراعات على مدار سنوات طويلة. وبعض هذه الصراعات كان لأسباب سياسية أو فكرية أو اجتماعية، وبعضها الآخر خاضتها قوى وحركات يسارية أو قومية أو إسلامية من أجل تغيير الأنظمة أو إصلاحها أو إقامة أنظمة بديلة عن الأنظمة القائمة؛ بحجة أن الأنظمة القائمة هي أنظمة فاشلة أو ديكتاتورية أو قمعية، أو مرتبطة بجهات خارجية أو متآمرة ضد مصالح الشعوب العربية والقضية الفلسطينية.
وقد قام بعض الكتّاب والقياديين أو الحزبيين بنشر مراجعات فكرية وسياسية لتجاربهم والأخطاء التي وقعوا فيها، وقامت أيضا ولا سيما في مصر حركات إسلامية بإجراء مراجعات شاملة حول أدائها واستخدامها للعنف، وأصدرت كتبا عديدة في هذا المجال.
ومن خلال الاطلاع على بعض النماذج من الكتب والروايات والمراجعات عن الحروب الأهلية والصراعات الحزبية أو مواجهة الأنظمة من قبل حركات فكرية أو حزبية أو إسلامية، يمكن الاستنتاج بوضوح أن العديد من الشعارت الصادقة والكبرى التي تحملها وتدعو إليها الحركات التغييرية والإصلاحية؛ تتحول في لحظة سياسية معينة إلى أسلحة قاتلة ومدمرة للدول والأوطان التي تنشط فيها هذه الحركات.
وتتداخل العوامل الداخلية بالأدوار الخارجية في هذه الصراعات القاتلة، وبدل أن يتحقق الإصلاح وتطوير النظام، يتم تدمير الدول والأوطان، وتدفع الشعوب أثمانا كبيرة بسبب هذه الحروب والصراعات الأهلية أو الخارجية، ويصبح من الصعوبة بمكان الخروج منها، لأن كل طرف يعتقد أنه على حق وأنه لا يجوز وقف الحرب قبل تحقيق الأهداف المطلوبة.
وقد قال لي المفكر الإسلامي السوداني الدكتور حسن مكي، في حوار خاص قبل عدة سنوات، إن بعض القوى المحلية أو الإقليمية تدخل في صراع في إحدى الدول بحجة الدفاع عن هذه الدولة أو حماية لأهدافها الكبرى، لكنها تتحول إلى جزء من صراع داخلي أو خارجي، ولا تستطيع بعد ذلك الخروج من هذه الحرب إلا بقرار دولي أو إقليمي.
ونحن اليوم نعيش بعض أشكال هذه الصراعات والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية، وقد تداخلت العوامل الداخلية بالأدوار الخارجية في هذه الحروب والصراعات. وحتى الآن لم تستطع القوى المحلية أو الأنظمة القائمة الخروج من هذه الحروب، رغم كل المحاولات لوقفها وللتوصل إلى تسويات سياسية.
وللأسف فإن هذه الدول وشعوبها تدفع الأثمان الكبيرة من الدماء والأموال والبنى التحتية وكرامة شعوبها؛ بسبب هذه الصراعات والحروب التي لا طائل منها ولم تحقق أية أهداف كبرى أو شعارات إصلاحية حقيقية.
ولكن في المقابل نحن نمر بمرحلة جديدة دوليا وإقليميا، حيث بدأنا نشهد مفاوضات ثنائية بين بعض الدول العربية والإسلامية، إضافة للتغيرات في الإدارة الأمريكية، وعشية عقد قمة روسية-أمريكية في منتصف شهر حزيران/ يونيو في جنيف والتي ستبحث الأوضاع في العالم، وفي ظل نتائج المعركة الأخيرة في فلسطين والتي أعادت الاهتمام الدولي والإقليمي بالقضية الفلسطينية..
كل ذلك يجب أن يجعلنا جميعا نعيد النظر برؤيتنا لما جرى وما يجري، ونتخذ القرارات الصائبة بوقف هذه الحروب القاتلة، ونتعلم كيف نحرج منها في اللحظة المناسبة، لأن كل ما جرى حتى الآن أدى إلى تدمير أوطاننا ولم يحقق أيا من الأهداف والشعارات الكبرى التي رفعناها.
فهل نستفيد من تجارب وروايات وذكريات الحروب الأهلية ونتعلم منها كيف نبني مستقبلنا؟ أم سنظل نغرق في هذه الحروب القاتلة دون أية نتيجة؟
Leave a Comment