محمد قدوح
يعيش اللبنانيون منذ حوالي سنوات ثلاث، أزمة متعددة الأوجه (جائحة كورونا، إنفجار المرفأ والانهيار الاقتصادي والمالي) فرضت عليهم ضغوطات كبيرة ومتواصلة، أضرت بصحتهم النفسية بما يكفي لطلب الدعم النفسي والاجتماعي في العيادات النفسية المتوافرة في بعض المستشفيات الخاصة ولدى بعض منظمات المجتمع المدني.
وكان لكل من أوجه هذه الازمة، تأثيره الخاص على الصحة النفسية وإن كانت تتقاطع جميعها في التسبب بالقلق ومضاعفاته وأولها الإكتئاب، وهو لن يكون آخرها ما لم يتم تدارك هذه المضاعفات من خلال حصول المحتاجين على الدعم والعلاج النفسي في القوت المناسب، وهو أمر غير متوافر، ولن يكون كذلك في المدى المنظور نظراً للحاجة المتزايدة، وهجرة الاطباء والمعالجين النفسانيين، وشح الدواء وإرتفاع اسعاره، وإرتفاع كلفة الجلسات العلاجية.
ما هي الإضطرابات النفسية التي تسببت بها أوجه الأزمة؟
اولاً ـ جائحة كورونا:
تشير المعطيات المتوافرة لدى المعالجين النفسانيين والدراسات التي أجريت حول التأثيرات النفسية التي تسببت بها جائحة كورونا، إلى أن هذه الجائحة احدثت تصدعات في العلاقات الأسرية وإضطرابات نفسية للأفراد.
1ـ تصدع العلاقات الاسرية: لقد تسببت الجائحة بزيادة الخوف والتفكير بالذات، وفرضت نوعاً من العزلة بسبب التباعد الاجتماعي الذي أخضع له الجميع، وهو الامر الذي جعل الأهل والأولاد يتساوون في الخوف والغضب، مما ادى إلى كسر صورة الاب الحامي، وتزايد الصراعات داخل الأسرة، التي يضاف لها العدوانية وعدم تقبل الآخر.
2 ـ على صعيد الافراد، لقد أظهرت دراسة أجرتها الجامعة الاميركية حول تأثير جائحة كورونا على الشباب بعمر 18 ـ 24 سنة، في ظل التباعد الاجتماعي والتعليم عن بعد، أن 42.3% من الشباب يعانون من الإكتئاب والأرق، وبأن 75% منهم يعانون التوتر الحاد.
ثانياً ـ تأثيرات إنفجار المرفأ
أظهرت دراسة أجرتها الجامعة الاميركية أيضاً حول تأثير إنفجار المرفأ على الشباب بعمر 18 ـ 24 سنة، أن الإنفجار تسبب بإصابة 16.7% من الشباب بإكتئاب شديد. وأظهرت دراسة اخرى أجرتها إحدى الجمعيات بالتعاون مع منظمة دولية استهدفت النساء المقيمات في منطقة الانفجار ومحطيه، أنهن يعانين من: قلق، رهاب، إكتئاب. وقد ساهم تدخل عدد من جمعيات المجتمع المدني من خلال تقديم خدمة الدعم النفسي بعد الانفجار مباشرة على الارض وفي العيادات، من تخفيف مضاعفات الاضطرابات النفسية.
ثالثاً ـ الإنهيار الاقتصادي وتأثيراته
يجمع الاطباء والمحللين النفسانيين على أن الضغوطات بشكل عام والضغوطات الاقتصادية على وجه الخصوص لها دور كبير في حدوث الاضطرابات النفسية المؤدية للإكتئاب، لاسيما الذين لديهم استعداد حسي للإصابة به، أو الذين لديهم طبيعة شخصية مهيئة لحدوثه، وأيضاً الذين يعجزون عن تأمين حاجات أسرهم، حيث يجد هؤلاء انفسهم بين خيار الإنحراف (السرقة) أو الوقوع فريسة الإكتئاب.
وقد اثببت دراسة علمية اجراها فريق من الباحثين اليابانيين حول علاقة الظلم الاقتصادي بالإكتئاب، فقد اظهر التصوير المغنطيسي لأفراد عينة البحث الذين تعرضوا للظلم الاقتصادي نشاطاً ملحوظاً في منطقتي اللوزة الدماغية والحصين المرتبطين بالمشاعر، وبما يؤكد اصابتهم بالإكتئاب.
وبما أن العلاقة بين الضغوط الاقتصادية والإكتئاب ثابتة، فقد بات مؤكداً تأثير هذه الضغوط على اللبنانيين، بعد أن بلغت مستوى التسبب بالجوع والمرض والتشرد وكل صنوف المعاناة.
صحيح أن عدد حالات الانتحار قد تراجعت إلى 172 حالة عام 2021، لكن عدد الراغبين بالانتحار (أفكار إنتحارية) يزداد بشكل مضطرد.
وتؤكد جمعية Embrace التي انشأت خطاً ساخناً لتلقي الاتصالات وتقديم الدعم النفسي، أن عدد الراغبين بالانتحار ارتفع خلال عامين من 5 اتصالات يومياً الى 25 اتصالاً، وأشارت إلى أن الاتصالات ارتفعت من 700 اتصال خلال شهر نيسان، إلى 1030 اتصال خلال شهر ايار.
إن شيوع الافكار الانتحارية يؤكد بأن غالبية اللبنانيين باتوا مصابين بإضطراب ما بعد الصدمات وفي مقدمها: القلق والاكتئاب والهلع وغيرها من الاضطرابات. وبالتالي فإنهم في ظل تواصل الانهيار الاقتصادي والمالي، وانهيار الخدمات العامة، سيكونون عرضة لمضاعفات هذه الاضطرابات، أقلها الإكتئاب الذي وصفه دوستويفسكي بـ ” أنه أبغض تجربة مررت بها على الإطلاق، وأنه انعدام تصور الشعور بالسعادة مرة اخرى، وأيضاً غياب الامل كلياً، إنه تصور الموت، إنه مختلف كلياً عن الحزن”.
اللبنانييون يعانون، يتألمون خاصة إذا كان الأمل الذي يوقف هذا الكابوس غير موجود،. لذلك لا بد من إختراعه وشحد الهمم لجعله واقعاً. وإلاّ فإن الإكتئاب لن يكون مجرد نوبات، بقدر ما سيكون إنطفاء تدريجي يسحب الروح بحسب وصف دوستويفسكي.
Leave a Comment