حبيب معلوف*
إدخال موضوع «الخسائر والأضرار» على جدول أعمال قمة المناخ الـ27 في شرم الشيخ إنجاز دونه عقبات كبيرة لكي يصبح واقعاً. أول هذه العقبات أن الموضوع يحتاج إلى مسار طويل للنقاش حول التعريفات وكيفية تحديد الخسائر والمسؤوليات والتعويضات وكيفية دفعها… وهي قضايا من المتوقع أن يتم المماطلة بها، ووضع شروط مضادة حولها، واستنزاف الوقت أكثر من المتوقع حتى عام 2024. وأن الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية التي يفترض التعويض عنها من البلدان الصناعية المتقدمة للبلدان النامية ستكون كبيرة جداً، تفوق الـ100 مليار دولار، التي كانت قد تعهدت بها تلك البلدان في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009 وفي اتفاقية باريس عام 2015. وهي مبالغ كانت مقسمة بشكل رئيسي بين التخفيف والتكيّف، ولا تشمل التعويض عن الأضرار. فمن لم يستطع أن يفِ بالتعهدات الأولى، كيف سيفي بتعهدات جديدة وإضافية، قد تكون فعلاً خيالية، قياساً إلى كلفة أضرار فيضان باكستان البالغة 30 مليار دولار هذا العام على سبيل المثال.
العقبة الثانية أمام تحقيق هذه التعويضات أن الكوارث إلى ازدياد كما هو متوقع خلال مراقبة تصاعدها منذ 8 سنوات (بحسب آخر تقرير عرضته أمس الأمم المتحدة)، التي سجل فيها كل عام أرقاماً قياسية جديدة في ارتفاع درجات الحرارة، وأرقاماً قياسية في الحرائق والفيضانات وذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار وجفاف الأنهار وشح المياه والجفاف والتصحر وإزالة الغابات وتراجع الزراعة… بالإضافة إلى زيادة أعداد الوفيات من جراء هذه الكوارث وزيادة الهجرات واللاجئين المصنفة مناخية.
العقبة الثالثة، كيفية تحديد الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية، ومن سيصنّف ويميّز بين كوارث مناخية ناجمة عن تغيّر المناخ، وأخرى تصنف «طبيعية»؟! كيف نميّز بين حرائق مفتعلة ناجمة عن نزاعات داخلية، وأخرى ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة؟ بين وفاة من ضربة شمس، ووفاة من ارتفاع درجات الحرارة؟ بين فيضان ناجم عن إهمال الإدارات المعنية، وفيضان ناجم عن مظاهر مناخية متطرفة…الخ
العقبة الرابعة كيفية تحميل المسؤوليات وتقسيم ما هو مطلوب من الدول للتعويض. صحيح أن الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ والدول الأطراف في هذه الاتفاقية قد أُقرّت منذ عام 1992 بالمسؤولية التاريخية للدول المتقدمة صناعياً والثورة الصناعية، ولكن على أيّ أساس سيتم توزيع المسؤوليات وبالتالي التعويضات بين تلك البلدان؟ إذا كان توزيع المسؤوليات على أساس حجم الانبعاثات، وهذا هو الخيار الأقرب إلى الواقع، فمن يقيس هذه الانبعاثات ومن يدقق وكيف؟ ومن أي سنة معيارية يبدأ القياس؟ فإذا كانت من أهم مميزات هذه الانبعاثات أنها متراكمة، وأن مشكلة تغيّر المناخ عموماً ناجمة عن تراكم هذه الانبعاثات في الغلاف الجوي، يفترض عندئذ أن تكون الحصة الأكبر للتعويض من واجب الولايات المتحدة الأميركية، التي
كانت الأولى عالمياً قبل عام 2008. أما إذا كان المعيار على القياس الحالي، فيكون على الصين أن تدفع التعويض الأكبر، لا سيما في فترة ما بعد عام 2008. ثم هناك أسئلة إضافية تتعلق بكيفية احتساب الانبعاثات وقياسها. ماذا عن نقل مصانع من دول إلى أخرى، على من تحتسب انبعاثاتها؟ وكيف نقسم الانبعاثات بين منتج ومستهلك وبين النوعية وبين الكمية؟ وماذا عن ضريبة الكربون؟ وكم مرة يفترض أن تدفع؟ وكيف ستقيّم مسألة تسعير الكربون وبيعه بين الدول؟ ثم ماذا إذا لم تلتزم الدول المتقدّمة بالدفع والتعويض، من يلزمها؟ وهل يفترض اللجوء إلى محاكم العدل الدولية؟ وعلى أي أساس ستحكم تلك المحاكم؟ وأية عدالة مناخية يجب أن تتحقق؟ أية فلسفة حق يفترض أن نعتمد؟ وماذا عن حقوق الإنسان الآتي والأجيال القادمة؟ من يضمنها في ظل تراجع أدوار الدول لمصالح الشركات الكبرى، وتراجع الأمم المتحدة ودوائرها أمام منظمة التجارة العالمية؟ ومن يعوّض انقراض الأنواع التي تنقرض بفعل تغيّر المناخ والتي لا تقدّر بثمن؟ فإذا كان المعيار عند المحاكم الدولية مدى الالتزام باتفاقية باريس المناخية، التي وافقت عليها جميع دول العالم تقريباً، فهي لم تحظ بهذا الإجماع إلا لأنها كانت غير ملزمة، ولا يترتب عليها مسؤوليات، وبالتالي عقوبات وتعويضات إذا لم تلتزم! وقد نصّت هذه الاتفاقية على مقولة «المساهمات» المحدّدة وطنياً، بدل «الالتزامات» المحدّدة قانونياً (وهذا ما كنا أشرنا إليه في حينه).
وماذا سيكون موقف شركات التأمين العالمية التي بدأت بمتابعة مؤتمرات المناخ بقلق شديد من سنوات عدة، لمعرفة كيفية تسعير التأمينات، وكيفية تقييم الكوارث المناخية غير المتوقعة كما بدأت تظهر هنا وهناك في جميع أنحاء العالم. هذا على المستوى المادي والقانوني، ماذا على المستوى الحضاري؟ ماذا على البلدان المتقدّمة أن تفعل؟ ألا يفترض مطالبتها، بالإضافة إلى التعويضات (وليس التبرّعات والإعانات كما توحي خطابات وسلوك الدول النامية وممثلي معظم منظماتها المدنية، المحلية والإقليمية والدولية)، بأن تتراجع عن نموذجها الحضاري الذي تسبّب بالكوارث المناخية المدمرة، هذا الموضوع الذي لم يُطرح ولا مرة على جدول أعمال اجتماعات المناخ؟ يركض المشاركون في قمة مناخ شرم الشيخ كلّ النهار بين مقرّاتها المتعدّدة والمتباعدة… ولكن ليس على إيقاع طريقة ركض الإطفائيين والمنقذين المسعفين عندما تقع الكوارث المناخية.
*نشرت في الاخبار اللبنانية من شرم الشيخ – مصر يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني 2022
Leave a Comment