*عارف العبد
لم يجانب رئيس حزب القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، المنطق والصواب حين اعترضا على مقولة استبعاد الوزراء الحزبيين من الحكومة المقبلة. إذ أن أرقى المجتمعات السياسية في العالم المتحضر، تستند إلى نظام الحزبية السياسية وتمثيل الأحزاب في الحكومة والبرلمان.
لكن جعجع وباسيل الحليفان اللدودان، في تحالف واتفاق معراب الشهير، والمعروفة فصوله، ابتعدا عن الحقيقة والواقع كثيراً، حين اعتبرا وتصرفا وحاججا وكأنهما من دعاة الحزبية الموعودة بالرقي، ودافعا عن الحزبية في نطاقهما واعتبرا أنها من حقهما، باعتبار أنهما من أخوية “الحبل بلا دنس” في لبنان، أو أنهما يمثلان تجربة، تحاكي تجربة حزبي المحافظين والعمال في بريطانيا!
من حيث المنطلق والآمال، بالمستقبل الزاهر، فإن الساعة التي يصل فيها لبنان إلى مرحلة النظام الحزبي الراقي المتقدم، قد تكون من لحظات التمدن والحضارة والاستقرار والرقي.
والحقيقة أن ذاكرة اللبنانيين، لا تزال طرية جداً، وغيرقابلة للمسامحة والنسيان بسهولة، لتراث وفضائل ثنائيتين عنيدتين متطرفتين، ويمكن اعتبارهما فاجرتين لدى المسلمين والمسيحيين.
لم تستطع ذاكرة اللبنانيين، أن تنسى وتسامح تراث الحزبية الميليشياوية الزاهرة، في لبنان، إن على مستوى الثنائي حركة أمل وحزب الله، أو على مستوى الثنائي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.
إذ يكفي اللبنانيين العودة قليلاً إلى الوراء لكي تظهر الأعمال التراثية والفنية السياسية الخالدة في سجل مآثر هذه المجموعات الحزبية بتجاربها السابقة في التسبب بالنكبات والويلات للبيئات الحاضنة لهما، لدى المسلمين الشيعة بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام، على حد سواء وعلى باقي اللبنانيين بشكل عام.
فتراث الثنائي حركة أمل وحزب الله، كان مع بداية نشاطه ونموه سبباً في مواجهات دموية سفكت أرواحاً وهدمت وأحرقت بيوتاً كثيرة ومتعددة، حين كانت المواجهة والعداوات مندلعة بين الاثنين، وحين كان السباق في أوجه بين امتداد وتمدد النفوذ السوري والإيراني، سعيا للتمركز والسيطرة في لبنان.
والجميع يتذكر حرب الأخوة المتنقلة، بين قرى ومنازل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. إلى أن استقرت الأمور على فوز حزب الله عبر آلية وتقنية “ليّ الأذرع” والإخضاع بالقوة، للفوز بقصب السباق لتصدر صفوف المقاومة والنضال ضد إسرائيل.
وإذا كان الثنائي حزب الله وحركة أمل قد تحالفا مع التيار الوطني الحر في الاعتصام الذي شهده وسط العاصمة عام 2006، في مواجهة الحكومة التي وصفت يومها بـ”البتراء” حسب قولهما آنذاك، فإن يوم السابع من أيار 2008 “المجيد”، كما سبق أن قيل، لم يزل مسجلاً في سجلات اللبنانيين وذاكرتهم وسجلات الحلف الثلاثي الذي استظل تحت خيم تفاهم مار مخايل كلي القداسة في السادس من شباط 2006.
بطبيعة الحال، لا يمكن أيضاً تجاوز، أو نسيان، تراث ومآثر حرب الأخوة الأعداء، وحروب الإلغاء والتحرير التي وقعت بين التيار الوطني الحر العوني الطموح، عن طريق وحدات الجيش اللبناني، في مواجهة القوات اللبنانية، وما جرّت وولدت هذه الحرب المشؤومة من ويلات وفظائع ونكبات، وأودت بالمسيحيين إلى حدود الصدمة الشديدة واليأس والمأساة والإحباط المعمق، والويلات الظاهرة.
صحيح أن العماد عون هو من بادر إلى الهجوم المشؤوم على القوات اللبنانية، وتسبب بتدمير وإضعاف المسيحيين آنذاك، لكن القوات لم تكن حينها طفلاً حالماً وساكناً يتناول “الشوكولا مو” ويكتفي بالمعجنات، بل كانت قوة عسكرية لها سلطتها، أراد عون إزاحتها والخلاص منها.
لهذه الأسباب السابقة كلها، فإن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام، حين يميل إلى تفضيل الابتعاد عن الوجوه الحزبية المباشرة في تشكيل الحكومة، فإنه يرتكز إلى تأييد ومناصرة رأي عام، ومساندة وتفهم مناخ شعبي كبير وواسع في لبنان، فقد الثقة بتجارب الحزبيين أصحاب التجارب الدموية سابقاً، بشكل عام.. إن لدى الثنائي حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، نتيجة تجربتهم في اتفاق معراب وما قبله، أو لدى الثنائي الآخر، أمل وحزب الله، في تجاربه الكارثية المتعددة والمستمرة، وعلى وجه الخصوص بسبب مآثرهما في التشارك بنسب متقاربة ومتناسبة في نكبة بيئتهما مؤخراً، ومسؤولية الحكم والتشبيح الذي تسبب بالانهيار المالي والتدهور الاقتصادي الذي ضرب البلاد وأفقر اللبنانيين وحطم مؤسساتهم.
لقد تناوب الثنائي لدى الموارنة والشيعة، على الإبداع في التعطيل والتدمير، لكن كل بدوره وحسب توقيته وأسلوبه ومبرراته.
لا يمكن نسيان تلك الواقعة المشهودة يوم تم تعطيل تشكيل حكومة سعد الحريري ستة أشهر، من أجل توزير جبران باسيل عام 2009 من أجل عيون “صهر الجنرال”، بعد أن كان الرئيس نبيه بري قد أقفل أبواب مجلس النواب لأكثر من سنتين بوجه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ومن بعدها سنتين من أجل انتخاب ميشال عون، ومن بعدها المدة المشهودة لانتخاب الرئيس الحالي حامل لواء إعادة بناء الدولة السيدة وحصر السلاح بيدها.
تكاد أيام التعطيل التي تسبب بها ثنائي مار مخايل الميمون أن تتجاوز أيام العمل والإنتاج في لبنان منذ العام 2005 وحتى الآن.
بل يمكن القول إن لبنان كان ولا يزال دولة معطلة بالكامل، بسبب مواقف وتصرفات الثنائي المتحالف مع إيران وسوريا الأسد البائدة. كانت تخرقه أيام عمل نادرة للبحث عن جرعة أوكسجين عزيزة.
واليوم، يبدو أن أسلوب الماضي التعطيلي البغيض، من قبل بقايا نظام السيطرة الإيراني الأسدي، بالرغم من كل التطورات والمآسي، يجهد للعودة إلى التحكم والسيطرة والتدمير وتأجيل الدخول والانطلاق في طريق النهوض وإعادة البناء.
فهل سيرضخ لبنان الحالم بالمستقبل الواعد، ورئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة المكلف نواف سلام، للاعتراض التعطيلي والابتزاز الجديد، أم أن البلاد مقبلة على مواجهات جديدة؟
*نشرت على موقع المدن الالكتروني تاريخ 7 شباط 2025
Leave a Comment