محسن إبراهيم

بعض من ذكرياتي مع محسن إبراهيم

محمد قباني*

هذا ليس سرداً لتاريخ القائد التاريخي الظريف محسن إبراهيم، بل هي بعض ذكرياتي معه.

عرفته منذ انتسبت طالباً إلى حركة القوميين العرب عام 1959، كأبرز قائد لبناني للحركة، حين كان جورج حبش ووديع حداد خارج لبنان.

أولى ذكرياتي كانت حين حاضر في النادي الثقافي العربي مطلع الستينيات لمدة ساعة ونيف من دون ورقة، واستمر بتسلسل طبيعي للأفكار وبلغة سليمة. وأذهلني يومها بقدراته الفكرية الهائلة.

أعجب جمال عبد الناصر بكتاباته ودعاه إلى القاهرة، وعندما استقبله وجد رجلاً صغير العمر والحجم، فبادره قائلاً: هو انت! باللهجة المصري.، وأصبح من أصدقائه يستدعيه تكراراً لمناقشته. ويقال أنه اللبناني الوحيد الذي حضر زفاف هدى عبد الناصر وحاتم صادق.

في نهاية حرب الأيام الستة كتب سلسلة مقالات عنوانها: “لا لم يهزم العرب ولم يخطىء عبد الناصر”، وبدأت بعدها الانعطافة السريعة نحو اليسار والماركسية. وفي هذا المجال قال لي يوماً الرئيس سليم الحص لو لم يتجه أبو خالد نحو الماركسية لكان هو خليفة كمال جنبلاط.

وأذكر سماعي لجورج حاوي يخاطبه قالاً: أنا مجبور، إنت مين جابرك؟

كما أذكر كمال جنبلاط يمازحه قائلاً: يا أبو خالد شيل الواو بيمشي الحال فيصبح تنظيمه “منظمة العمل الشيعي” ويضحك الرجلان معاً.

وعندما أسس كمال جنبلاط، عام 1975 المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية، وبعد الرئيس (جنبلاط) ونوابه الخمسة (رؤساء الأحزاب الأساسية) كان هناك الأمين العام التنفيذي وهو محسن إبراهيم، والمراقب العام محمد قباني. قال لي يومها: الرقابة على الإدارة وليس على السياسة. أجبته طبعاً يا أبو خالد لن أمارس أية رقابة سياسية لا عليك ولا على أحزاب الحركة الوطنية. وبقينا على تعاون وثيق ودائم.

في اجتماع في مقر عرفات وبحضور كمال جنبلاط سأل جنبلاط عرفات: لماذا يا بو عمار البواخر المحملة سلاحاً من ليبيا إليك تصل إلى المرافىء اللبنانية، فيما بواخرنا تغرق في البحر. أجاب عرفات عاوز إيه كمال بيه قللي، وفعلًا بدأ جنبلاط يسرد حاجاته وعرفات يسجل، ثم سلم الورقة إلى أمين المستودع. أخذ أبو خالد الورقة وأعادها إلى عرفات قائلًا ما تمزح مع كمال بيك حط النقطة. والنقطة كانت تعني للتنفيذ. وبدونها كان جواب أمين المستودع سيكون ما عندنا.

أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وفي اجتماع في مقر الحركة الوطنية في وطى المصيطبة، خاطب محسن المجتمعين قائلا:ً فليكن هذا آخر اجتماع لنا، وليذهب كل في طريقه حتى لا نشكل صيداً ثميناً للطيران الإسرائيلي ونحن في مكان واحد. وهذا ما حصل.

كان عرفات يدعو إلى اجتماعات تبدأ في منتصف الليل، وكان كمال بك يمازحه قائلاً : يا بو عمار هيدا دوام أرتيستات، باعتباره أنه عادة ينام حوالي الثامنة مساءً.

في آخر أيام ياسر عرفات في بيروت بقي يلتقي يومياً مع أبي خالد ليلاً، يتبادلان الأخبار والأسرار، إذ كان عرفات يثق به وحده أكثر من كل القيادات اللبنانية والفلسطينية.

حين سألته في التسعينيات لماذا توقفت عن العمل السياسي؟ أجابني: من عمل مع جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط، مع مين يمكن أن يعمل؟

توقف وهو في القمة.

بيروت في 28/5/2021

  • محمد قباني ـ نائب ووزير لبناني سابق

Leave a Comment