محمد قدوح
تجاوز سعر صرف الدولار الـ 100 الف ليرة لبنانية وواصل مساره التصاعدي، وسط استمرار إحجام السلطة بكامل مكوناتها عن معالجة الفراغ الرئاسي والحكومي، وكذلك ممارسة الحد الادنى من دورها على صعيد معالجة الازمة الاقتصادية والمالية، حيث يقتصر دورها على تشريع الزيادات على الاسعار التي تقررها كارتيلات المحروقات، الادوية والمستشفيات والمواد الغذائية و….، وبذلك يكون لبنان قد دخل مرحلة الارتطام الكبير، ودخل معها غالبية اللبنانيين حالة الفقر المتنوع، حيث اشارات آخر الاحصاءات إلى أن أكثر من 85% من اللبنانيين بلغوا حالة الفقر المتعدد الابعاد، بينهم نسبة 25% تحت خط الفقر. ويتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال فترة قصيرة، مع نسبة 25% الذين كانوا فوق خط الفقر فاصبحوا تحته. وبذلك يكون نصف اللبنانيين قد اصبحوا تحت خط الفقر، ويتوقع ان يكون من ضمنهم 80% من العاملين في القطاع العام ممن يتقاضون رواتب اقل من مئة دولار (برنامج الغذاء العالمي حدد دخلاً يومياً مقداره 2.5 دولار، أي حوالي 90$ في الشهر لتأمين الحد الادنى من الغذاء للأسرة).
هذا الواقع المأساوي الذي بلغه اللبنانيون هو نتيجة تراكمية للانهيار الاقتصادي والمالي المتواصل منذ العام 2019 حيث ارتفعت نسبة الفقر من 28% عام 2019 الى 55% عام 2020، والى 74% نهاية العام 2021 ومن ثم الى 82% نهاية العام 2022، وصولاً الى النسبة المحققة حالياً، والتي تتجاوز كما اشرنا الى 85% من اللبنانيين، مما يعني أن الواقع المعيشي الحالي للبنانيين قد تجاوز خلاصة الدراسة التي اجرتها الاسكوا في حزيران عام 2021، والتي تشير إلى أن نسبة الاثرياء والاغنياء لم تتبدل وحافظت على نسبة الـ 5% ، فيما انحدرت الطبقة الوسطى من 70% الى 40% ، وفي المقابل ارتفعت نسبة الفقر من 28% إلى 55% ومن ثم إلى 74% نهاية العام 2021 بالاستناد إلى دراسة اخرى.
وبالاستناد إلى بعض الاحصاءات والدراسات ومن ضمنها دراسة اجراها برنامج الغذاء العالمي في أيار ، يمكن القول إن تركيبة الطبقات الاجتماعية قد اصبحت كما يلي: الاثرياء والاغنياء 5%، الطبقة الوسطى وتضم 250 الف اسرة تتلقى دعم من المغتربين وجزء من اصحاب المهن الحرة نسبتهم 10%، والفقراء 85% بينهم اكثر من 50% هم تحت خط الفقر.
وقد ترتب على هذا الواقع نتائج كارثية على المستويات التالية:
1 ـ الأمن الغذائي: تؤكد الدراسة التي اجرتها بعثة تقصي الحقائق التابعة لمفوضية الامم المتحدة المختصة بالجوع وحقوق الانسان، بأن اكثر من نصف اللبنانيين يحتاجون إلى مساعدة لتغطية احتياجاتهم الغذائية الاساسية، وبأن برامج المساعدة الاجتماعية التي تقدمها الدولة اللبنانية، وجزئياً البنك الدولي تدعم شخص واحد من كل 3 اشخاص بحاجة للمساعدة، وتشير إلى أن الاسر تضطر إلى تقليل الانفاق على الرعاية الصحية والتعليم لتأمين الحد الادنى من الغذاء، وأن عدداً كبيراً من الاسر يضطر إلى تغيير النظام الغذائي، استهلاك اقل من الاجبان والالبان والفواكه والخضروات والبروتينات الحيوانية بسبب ارتفاع اسعارها الخيالية. كما سجلت الدراسة عدم تخطي افراد الاسر لوجبة طعام واحدة أو اكثر يومياً.
2 ـ الرعاية الصحية: اشارات الدراسة عينها إلى أن اكثر من نصف اللبنانيين باتوا عاجزين عن تأمين الحد الادنى من الرعاية الصحية، وتامين الدواء، وأن الكثيرين منهم معرضون للموت على ابواب المستشفيات بسبب عدم قدرتهم على تأمين نفقات العلاج. وتابعت لقد جاء قرار إلغاء الدعم عن الادوية المزمنة بمثابة قرار بالاعدام بحق المرضى.
3 ـ التعليم: للعام الثالث على التوالي، يشهد التعليم الرسمي إنهياراً متواصلاً ويؤكد أن العام الحالي سينتهي بكارثة تربوية يخسر فيها طلاب التعليم الرسمي عامهم الدراسي، وينتهي بهم الامر دون تعليم ولا شهادات، واضافة اعداد كبيرة من الطلاب الصغار والكبار، إلى اعداد الذين تسربوا من مدارسهم بسبب الضائقة المعيشية. الامر ينطبق ايضاً على طلاب الجامعة اللبنانية. ولم يجر احصاء للطلاب المتسربين حتى الآن، لكن كل المؤشرات تفيد بأن استمرار الأزمة الحالية، سيؤدي إلى التضحية بجيل كامل من الاطفال.
في نهاية هذه العجالة من الارقام الصادمة والنتائج الكارثية، سأكتفي بما قاله المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالجوع وحقوق الانسان “بأن هذه الكارثة هي نتيجة للأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان، وهم المسؤولون عن دفع معظم السكان إلى الفقر في انتهاك صارخ للقانون الدولي لحقوق الانسان، إنها اسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد وربما في بلاد العالم. لقد تم دمج الافلات من العقاب والفساد وعدم المساواة في هيكلية النظام السياسي والاقتصادي. لقد قاموا بنقل اموالهم إلى الخارج بفضل فراغ قانوني سمح لهم بذلك”.
واختم بالقول.. لقد كانت المؤسسة السياسية على علم بذلك ولم تفعل شيئاً يذكر لدرء هذه الكارثة ربما انهم مرتاحون لحصولها. اكثر من ذلك، يوجد نقص كبير وخطير في نظام الحماية الاجتماعية، انه نظام يحمي الاغنياء ويترك الاسر الفقيرة، لقد تم تدمير الخدمات العامة، كهرباء، مياه، التعليم والرعاية الصحية لصالح القطاع الخاص، إنها دولة تدعم بشكل كبير القطاع الخاص لتقويم هذه الخدمات فهي تدفع على سبيل المثال ريع نفقات التعليم العام للقطاع الخاص مما يؤدي، إلى تفاقم عدم المساواة، ولا يؤدي إلى تعليم افضل وإنما يؤدي إلى ارتفاع معدل التسرب المدرسي.
Leave a Comment