ارتفعت وتيرة السجال حول ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية، الذي بات جاهزاً لرفعه إلى مجلس الوزراء بعدما أنجز في صيغة شبه نهائية بين وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي ورئيس الجامعة الدكتور بسام بدران. يأخذ النقاش الذي يترافق مع حملات في بعض الأوساط الجامعية والسياسية أيضاً طابعاً شعبوياً ومصلحياً ويحمل الكثير من علامات الاستفهام، ويطرح تساؤلات عما إذا كانت هناك استهدافات لفرملة إقرار الملف وتعزيز الجامعة وإستعادة استقلاليتها لا بل أنه تحول إلى بازار لتغطية المخالفات التي تراكمت وأدت إلى انفجار أزمات الجامعة، وتبرئة الذين أداروا شؤونها لسنوات سابقاً وعاث بعضهم فيها فساداً حرفها عن وظيفتها الاكاديمية.
ليست أزمة الجامعة اليوم نتاج ممارسات راهنة فقط، في غياب مجلسها وعدم انتظام عمل وحداتها. فإذا كان الحديث عن التفرغ في صيغته الحالية الذي أخذ وقتاً لإعداده، يتركز حول التفرد في انجازه، فإن ذلك يعني أنه قطع الطريق على القوى السياسية للتدخل في اختيار الأسماء وتوزيع الحصص، علماً أن أي ملف يقوم على التوازن تدخل فيه الاعتبارات السياسية حكماً، وهو أمر لا يمكن الخروج منه طالما أن مجلس الوزراء هو الذي يبت أخيراً بالتفرغ.
والحال أن هذا الملف الذي يُفترض أن يرفع قريباً إلى الحكومة، قد يكون اكثر موثوقية، لأسباب عدة، أولها أنه لم يُعد بوصاية سياسية مباشرة، وإن كانت تبقى حاضرة عند إقراره، وثانياً لأنه أُنجز وفق ثلاثية الحاجة الاكاديمية والأقدمية والتوازن، علماً أن إقرار ملف 2014 كان سياسياً بامتياز، بعد إدخال مئات الاسماء ضمن بازار المحاصصة، وبعضهم لم يكن قد ناقش رسالة الدكتواره بعد. وثالثاً، لم يكن ممكناً تنقية التفرغ في جامعة تراكمت فيها مشكلات منذ سنوات، ذلك أنه ترسخت في بنيتها ممارسات المحاصصة والهيمنات السياسية والطائفية، وطالت حتى الوحدات والأقسام وأيضاً الحركة النقابية للاساتذة. وليس دليلاً على ذلك أنه عندما طرحت ملفات الجامعة في الحكومة عام 2022 قبل أن تتحول إلى تصريف الاعمال، سقطت كلها، وبينها تعيين العمداء والتفرغ. وأيضاً عندما يعتبر البعض ملف التفرغ السابق الذي رفع في العام 2017 على أيام رئيسها السابق فؤاد ايوب، أنه أكاديمي، وهو كان في الواقع مثقلاً بتصنيفات للمتعاقدين، ويتضمن عشرات الأسماء ممن لا يستوفون الشروط الاكاديمية.
وللعلم أنه جرى حل مجلس الجامعة على أيام أيوب، ما يعني أن الجامعة بلا مجلس منذ أربع سنوات. لذا لا يمكن المقارنة بين وضع الجامعة الحالي وتاريخها السابق لا سيما وأن موازنتها كانت تتخطى الـ250 مليون دولار سنوياً فيما وصلت العام الماضي إلى 8 ملايين دولار.
الجامعة اليوم وان كانت تحتاج إلى عملية إصلاحية، إلا أنها ليست عاجزة عن الاستمرار. عدد الطلاب اليوم يبلغ 64 الفاً، ومع إحالة نحو 1050 أستاذاً إلى التقاعد منذ عام 2014، فإنها تحتاج إلى تفرغ ما يقابلهم وفقاً للحاجات والملاكات. والقياس هنا لا يتعلق فقط بالعدد إذ أنه يمكن أن يتغير بين كلية وأخرى ووفقاً للاختصاصات، لذا التفرغ يأخذ بالاعتبار حاجة السنوات اللاحقة، طالما أنه ليس سنوياً.
التفرغ هو حاجة للجامعة من أجل استقرارها واستمراريتها ايضاً، لكنه مرتبط باستكمال الحلقات الأخرى، خصوصاً مجلسها، واستعادة استقلاليتها وإعادة تنظيم أوضاعها أكاديمياً. وقد حان الوقت لكشف الحملات العبثية التي تؤذي الجامعة، تماماً كما يجب مواجهة الحملات السياسية والطائفية التي تريد بقاء الجامعة مكاناً للتوظيف والمحاصصة.
*نشرت في جريدة النهار بتاريخ 18 -02- 2024
Leave a Comment