محمد قدوح
بيروت 5 تشرين الاول 2024 ـ بيروت الحرية
تصاعدت الضربات الاسرائيلية على مختلف المناطق اللبنانية خلال الاسبوعين الماضيين بوتيرة مخيفة، حاصدة المزيد من الشهداء والجرحى، وأدت الى نزوح مئات الألوف من سكان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، والى تدمير عشرات الألوف من المنازل والوحدات السكنية. وبلغ عدد الشهداء منذ 8 تشرين الاول 2023 لغاية 4 تشرين الاول 2024 ما مجموعه 2011 شهيدا وعدد المصابين حوالي عشرة الآف جريح، وذلك حسب احصاءات وزارة الصحة اللبنانية. وقد تمكن القطاع الطبي من استيعاب الصدمة واستقبال الجرحى ومعالجتهم، مستفيداً من المساعدات الطبية التي قدمتها بعض الدول، وذلك بالرغم من النقص الحاد في الكادر الطبي الذي هاجر قسم منه تحت وطأة الأزمة المالية والاقتصادية التيي ضرت البلاد منذ العام 2019. والمطلوب أن يجري تعزيز قدرات هذا القطاع من الأطباء والممرضين، لكى يستطيع مواصلة عمله، واستيعاب ضحايا الحرب الاسرائيلية المتواصلة على لبنان. لكن ما يصعب استيعابه هو موجة النزوح التي تصاعدت بشكل كبير وسريع خلال الأسبوعين الماضيين حيث ارتفع عدد النازحين من 100 ألف نازح الي حوالي 1200000 (مليون ومائتي ألف نازح) حسب تقدير لجنة الطوارىء الحكومية. ومثل هذا الرقم مرشح للتصاعد في ضوء الإنذارات التي يوجهها الجيش الاسرائيلي لعشرات القرى والبلدات لمغادرة بيوتهم والرحيل إلى مناطق أخرى. وقد بغ عدد القرى التي وجه انذارات لها مؤخرا 60 قرية في أقضية مرجعيون وبنت جبيل وصور والزهراني وصيدا وحاصبيا.
وعليه ، فقد انتشر النازحون في جميع المناطق اللبنانية الآمنة بدءاً من مدينة صيدا وصولاً إلي منطقة عكار وقد توزعوا كما يلي:
اولا : الإقامة مع الاقارب والاصدقاء وفي بيوت مستأجرة. وتشمل هذة الفئة غالبية النازحين، وذلك بالرغم من ارتفاع بدلات الايجار بشكل جنوني .
ثانيا :مراكز الإيواء: وتشمل المدارس والمعاهد التربوية المهنية الرسمية، وبعض المدارس الخاصة. وقد بلغ عدد هذه المراكز في حدود الـ 900 مركز ، 677 منها بلغ قدرتة الاستيعابية القصوى، وبلغ عدد المسجلين في هذه المراكز حوالي 170000ألف نازح.
ثالثا : نازحون إلي سوريا، فقد افادت احصاءات لجنة الطوارىء الحكومية أن عدد النازحين إلي سوريا خلال الفترة ما بين 23 ايلول و30 منه بلغ 256 ألفا من الجنسية السورية و82264 ألف لبناني.ومن المعلوم أن الطيران الحربي الاسرائيلي أغار في 4 من الشهر الجاري على نقطة المصنع – جديدة يابوس التي تربط لبنان وسوريا، وعطل حركة المرور وهدد أي آلية أو مجموعة تحاول اصلاحها. وكان قد أغار قبلا على معابر التهريب بين لبنان وسوريا. وهذا ما أعاق استمرار تدفق اللبنانيين والسوريين على الاراضي السورية.
رابعا: نازحون يفترشون الشوراع والساحات العامة، وتحديداً الخط البحري الممتد بين صيدا وبيروت (خيم منصوبة على شاطىء الرملة البيضاء)، وتشمل هذه الفئة مئات العائلات التى لا تعرف إلى اين تذهب، ولا تملك القدرة المالية على استئجار المنازل لإيواء أفرادها، كما أن الكثير منهم لا يملك وسيلة نقل.
مساعدات الدولة غيرمتوافرة :
فؤجئت لجنة الطوارىء الحكومية بحجم حركة النزوح، لكنها استطاعت من خلال الهيئات المشكلة في المناطق من إدارة الكوارث ، والتي تشمل الإدارات العامة والبلديات وبعض المنظمات الدولية والمحلية، واستطاعت استيعاب الصدمة الاولى. وتمكنت من فتح مراكز الإيواء وتسجيل النازحين، ولكن هذه اللجنة لم تقدم أي مساعدات بأمس الحاجة إليها كـ : فرش ، اغطية ، مواد غذائية، بسبب عدم توفر أي اعتماد مالي لها، وما قامت به حتى الآن مؤقت وقليل بانتظار وصول المساعدات من الخارج. ونسجل هذه “الشطارة” لرئيس الحكومة الذي رفض بداية تخصيص أي مبلغ مالي للجنة الطواريء متكلا على المساعدات الخارجية، لكنه اضطر لاحقا إلى رصد مبلغ 24 مليون دولار ، ثم “ضرب النفير ” ودعا الول المانحة إلى توفير أكثر من 400 مليون دولار لتأمين الحاجات الملحة للنازحين، فكان أن حصل على حوالي 200 مليون دولار فقط. وفي هذا السياق أيضاً من تبرئة الذات يندرج”عتب” رئيس مجلس النواب على الحكومة لتقصيرها في إيواء النازحين الذين تُركوا لمواجهة مصيرهم وحدهم، تساندهم مبادرات لافتة من شباب وشابات البلدات والقري لجمع المال من المغتربين وتأمين احتياجات الاهالي النازحين( بنت جبيل، تبنين …..)
مضاعفات النزوح رهن مدتة
من المبكر الحديث عن مضاعفات النزوح باعتبار ذلك يتعلق بالمدى الزمني لطول وقصر مدة الحرب، والتي للأسف قد تطول وتزداد معها معاناة النازحين، وتتناسل منها الأزمات على مختلف الصعد الاجتماعية والصحية والنفسية والتربوية أيضاً ، خصوصاً وأننا على أبواب فصل الشتاء وبداية العام الدراسي .
أما أهم الأزمات المتوقعة فهي:
- عدم قدرة النازحين الذين استأجروا منازل على الاستمرار في دفع بدلات الايجار لفترة طويلة، بسبب توقف اشغالهم أو انقطاعها، وتدني الرواتب التي يحصلون عليها في حال استمرارهم في أعمالهم.
- عدم قدرة النازحين المقيمين مع أقاربهم ، على البقاء معهم لمدة طويلة ، الأمر الذي يدفعهم للبحث عن مكان بديل، يرجح أن يكون أحد مراكز الإيواء في حال توفرها بالنظر إلى عجزهم المادي.
- مضاعفة مشاكل النازحين المقيمين في مراكز الإيواء على الصعد الصحية والمعيشية والنفسية، ولاسيما مع بداية فصل الشتاء وحاجتهم إلى ألبسة شتوية وأطفالهم إلى رعاية صحية.
- استحالة بدء العام الدراسي في المدارس والجامعات والمعاهد الرسمية والمدارس الخاصة التي فتحت أبوابها للنازحين، خصوصا وأن التهجير قد يطول وهو المرجح في ضوء تعذر الوصول إلى حل سياسي يكبح العدوان الصهيوني.
الواضح أن لبنان في مواجهة كارثة كبرى على مختلف الصعد، فيما الدولة عاجزة عن تأمين اعتماد مالي لتوفير بعض الحاجيات الاساسية للنازحين بعد صرف ما وصلها من مساعدات من منظمات ودول خارجية وعربية صديقة.
ولكن رغم كل تعقيدات الوضع في هذا البلد، يبقى الأمل في مبادرات اللبنانيين مقيمين ومغتربينن وهم الذين أثبتوا حتى الآن أنهم يمتلكون من الوعي والإرادة والقدرات ما يكفي لمواجهة تداعيات الأزمات المتلاحقة والمتناسلة على أبناء وطنهم.
Leave a Comment