سياسة

المحكمة الجنائية الدولية وقرار توقيف نتنياهو وغالانت: حرب غزة وجرائم الإبادة تضع إسرائيل في دائرة الحصار 1/2

زهير هواري 

بيروت 30 تشرين الثاني 2024 ـ بيروت الحرية

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 21 تشرين الثاني / نوفمبر مذكرات توقيف بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فضلاً عن قائد كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس محمد الضيف، وهي خطوة وإن كانت تساوي بين الضحية والجلاد إلى هذا الحد أو ذاك، إلا أنه من شأنها وضع إسرائيل كدولة في حال الحصار وفي قفص الاتهام بتنفيذ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حرمة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية ، وهو ما من شأنه أن يحكم عليها بالعزلة ويحرم مسؤوليها من حرية الحركة التي طالما تمتعت بها ، خصوصا وأن 123 دولة موقعة على نظام روما أعلنت أنها ستنفذ تعهداتها بإلقاء القبض عليهما في حال مرورهما في أراضيها. 

وكانت المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، قالت إن “الغرفة أصدرت مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت في قضايا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت بين الثامن من أكتوبر 2023 وحتى 20 مايو 2024 على الأقل، تاريخ تقديم الادعاء العام طلبات إصدار مذكرات توقيف”، مضيفة أن مذكرة توقيف صدرت أيضاً بحق الضيف. وتضمنت مذكرة اعتقاله ،رغم أن إسرائيل قالت إنه قُتل في 13 تموز 2024، تهماً بالقتل الجماعي خلال هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل، وأشارت النيابة العامة إلى أنها ستواصل جمع المعلومات فيما يتعلق بـ”مقتله المزعوم”.

كما أكدت أن مذكرات التوقيف صُنفت على أنها “سرية” بهدف حماية الشهود وضمان إجراء التحقيقات. وكانت الجنائية الدولية قد كشفت أنه لديها أسباباً معقولة لاتهام نتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب. كونهما أشرفا على قتل مدنيين، لافتة إلى أن قرارها ينصف الضحايا وعائلاتهم. كما استخدما سلاح التجويع كأداة للحرب في غزة، مشيرة إلى أن لائحة الجرائم المنسوبة لهما تشمل القتل وأعمالا غير إنسانية. وقالت المحكمة، إن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة “غير ضروري”، بسبب “وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب”.

يشار إلى أن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان طلب في مايو 2024 من المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت (الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي من وزارة الدفاع مطلع نوفمبر 2024) بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يشتبه أنها ارتكبت في غزة. و خان هو من القضاة الذين طلبوا البت بشكل عاجل في أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت، وشدد في الوقت ذاته على أنه يحق للمحكمة مقاضاة المواطنين الإسرائيليين.

يذكر أنه بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 الذي خلف 1206 قتلى واحتجاز 251 لا زال 97 منهم قيد الاعتقال بينما هناك 34 قد ماتوا، بينما أسفرت حملة الجيش الإسرائيلي في غزة حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 44056 شخصاً على الأقل وجرح أكثر من 3 أضعاف هذا العدد ومعهم ألوف المفقودين، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

جرائم حرب

بعد إصدار المحكمة الجنائية مذكرات التوقيف يبقى السؤال حول جدية التنفيذ. حول هذه النقطة يشير خبير القانون الدولي والمستشار بالمحكمة الجنائية الدولية، أمين الديب، إلى أن جميع دول العالم ملزمة بتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة بشأن نتنياهو ووزير الدفاع السابق، وليس فقط الـ 125 دولة التي وقعت على ميثاق الجنائية الدولية. وتوقع المحكمة العقوبة على الأشخاص الطبيعيين المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان من غير المسؤولين. ولفت إلى أن عدم توقيع إسرائيل على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، لا يعني عدم تنفيذ قرارات المحكمة على قياداتها أو مسؤوليها.

وذكر خبراء قانون دولي وحقوقيون أن 123 دولة مطالبة بتنفيذ قرارات المحكمة حال تواجد أي من المتهمين على أراضيها أو عبور مجالها الجوي، لكنهم قللوا من إمكانية حدوث ذلك لغياب قدرة المحكمة الجنائية الدولية على إلزام الدول باتخاذ تلك الخطوة، ونبهوا في الوقت نفسه إلى إمكانية عقد محاكمة غيابية إذ تعثر القبض عليهما.

وقال الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت، والعميد في الجامعة الدولية للأعمال، ومقرها مدينة ستراسبورج الفرنسية، إن 123 دولة مصادقة على نظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، ستكون ملزمة بتطبيق أوامر الاعتقال، لكنه رجح عدم امتثال العديد من الدول لاعتبارات سياسية.

وأضاف مرقص أن عدم تنفيذ الدول الأعضاء في المحكمة لقرارات الاعتقال “لن يترتب عليه أية نتائج قانونية مباشرة”، واستدرك: “إلا أنها ستبدو بأنها لا تفي بالتزاماتها الدولية”.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند “غير ملزمة بتطبيق قرار التوقيف”، لأنها “غير موقعة على نظام روما”، مشيراً إلى أنه من بين الدول الأعضاء في المحكمة نحو 33 دولة إفريقية، و19 دولة من الشرق الأوسط، و28 من أميركا اللاتينية، و25 دولة أوروبية.

وقال الدكتور محمد الشيخلي، مدير المركز العربي للعدالة، ومقره بريطانيا، إن جميع الدول المنضوية تحت اتفاقية نظام روما الأساسي لعام 1998، ملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية في كل مراحلها، ومنها ضرورة إلقاء القبض على الشخص المتهم الصادر بحقه قرار إلقاء القبض.

ووصفت منظمة العفو الدولية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه قد أصبح الآن “مطلوباً رسمياً” بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية. وأضافت: الأمين العام لمنظمة العفو الدولية أغنيس كالامار أكد أنه “يجب على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي بأكمله ألا يترددوا في فعل أي شيء لحين تقديم هؤلاء الأفراد للمحاكمة أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية المستقلين والمحايدين”.

غضب إسرائيل 

وفي ردود فعل إسرائيلية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مباشرة رفض القرار ووصفه بأنه شنيع. أما مكتبه فقال إن نتنياهو رفض “الأكاذيب السخيفة والكاذبة”، أو الخضوع للضغوط، ولن يتراجع حتى تحقق إسرائيل أهدافها من وراء الحرب في غزة، واصفا القرار بأنه “معاد للسامية ” وهي لازمة تكررت لدى العديد من المسؤولين الاسرائيليين.  أما الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ فقال: “إنه يوم مظلم على الإنسانية والعدالة التي حولتها المحكمة إلى مادة للسخرية” لأنها تحيزت إلى جانب “الإرهاب والشر”، وحولت نظام العدالة ذاته إلى “درع بشري لجرائم حماس ضد الإنسانية”.

كما اتهم رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا الجنائية الدولية بـ “استهداف القادة المنتخبين ديمقراطياً في إسرائيل” التي وصفها بأنها “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والدولة اليهودية الوحيدة في العالم”.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن المحكمة الجنائية الدولية “فقدت كل شرعيتها”. وقال إن “الهيئة التي تطلق على نفسها اسم “محكمة” أصدرت أوامر سخيفة دون سلطة. أما غالانت فقد وصف مذكرة اعتقاله بـ “سابقة خطيرة ضد الحق في الدفاع عن النفس والحرب الأخلاقية ويشجع الإرهاب القاتل”.

وأدان كل من الائتلاف والمعارضة في إسرائيل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي الاعتقال، ووصفاها بـ “التصرف المعادي للسامية الذي يستهدف إسرائيل، والخطأ الذي لا يُغتفر”.

زعيم المعارضة يائير لابيد بدوره اعتبر أن “مذكرات الاعتقال هي مكافأة للإرهاب”. بينما رأى فيها رئيس حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، العضو السابق في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، “عمى أخلاقي ووصمة عار تاريخية لن تُنسى أبدا”. ودعا وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير بالرد على القرار من خلال ” فرض السيادة على جميع أراضي يهودا والسامرة [الضفة الغربية المحتلة] والاستيطان في جميع أنحاء البلاد”. كما دعا إلى قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية التي وصفها بـ “الإرهابية” إلى جانب فرض العقوبات عليها.

ووصفت وزيرة النقل ميري ريجيف، مذكرات الاعتقال بأنها “سخيفة قانونية”، لأن ما فعلته إسرائيل ليس جريمة وإنما “واجبنا الوطني والأخلاقي”. واعتبرها وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف “اتهامات معادية للسامية ضد جميع مواطني إسرائيل”.

يتضح من جملة المواقف الإسرائيلية ما يمكن وصفه بأنه اجماع كل من السلطة ومعارضيها على رفض مذكرات التوقيف لإدراكهما مدى خطورة ما أقدمت عليه المحكمة الجنائية الدولية. ما سيترك بصماته على الأداء السياسي الإسرائيلي لسنوات طويلة. وهو ما يشكل دعما وازنا للقضية الفلسطينية والصراع الذي تخوضه منظمة التحرير والسلطة والفصائل على مختلف الجبهات، بعد أن باتت أسرائيل دولة خارج اطار القانون الدولي، وباتت علاقاتها تقتصر على غطاء اميركا لممارساتها وعدد من الدول لا يزيد عددا عن أصابع اليد.  خصوصا وأن المستهدفين بالمذكرة هما رأسا الهرم السياسي والعسكري في دولة الاحتلال.

Leave a Comment