سياسة صحف وآراء

العدوان على غزة: محاولات فرملة أميركية.. لكن تحت السقف الإسرائيلي

*فكتور شلهوب

يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل صباح غد الخميس، في زيارة عاجلة تقررت بعد مكالمة طويلة بين الرئيس جو بايدن ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أدت إلى تأخير كلمة الأول عن العدوان الإسرائيلي على غزة لأكثر من ساعة.

وبعدها بساعتين تقررت إضافة الأردن إلى الزيارة التي كانت وربما ما زالت مفتوحة على إضافات أخرى. إلا أن مهمة الزيارة بدت ملتبسة. الخارجية الأميركية تقول إن الوزير سيحمل معه “رسالة تضامن ويتباحث مع المسؤولين الإسرائيليين حول ما يحتاجونه” في الحرب على غزة.

لكن احتياجاتهم جرى التداول بشأنها في اتصالات الأيام الأخيرة، حسب البيت الأبيض. بل إن قسما منها صار في طريقه إلى إسرائيل، كما أكّد السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتول. والمتبقي منها يتلهف الكونغرس لتمرير تمويله فور سدّ شغور مقعد الرئاسة في مجلس النواب والمتوقع أن تسرّع الحرب في حسمه. فتسليح إسرائيل المضمون، خاصة في ظرف من هذا النوع، لا يستدعي زيارة بهذه السرعة وعلى هذا المستوى. ما استدعاها هو التباين في المقاربة بين الإدارة وحكومة نتنياهو حول موضوعي إنقاذ الرهائن الإسرائيليين واحتمال توسّع أو توسيع المواجهة.

ويبدو من المداولات ومن مواقف وتلميحات المسؤولين، أن الإدارة الأميركية تمانع في تمدد الحرب إلى إيران أو إلى الساحات المحسوبة عليها في المنطقة. فمثل هذا التوسيع يخرّب على البيت الأبيض أولوياته وتوجهاته الإقليمية المعروفة، والتي يطمح إلى استئنافها بعد الخروج من صدمة “طوفان الأقصى”.

لهذا أعلنت الإدارة من البداية أن “الأدلة غير متوفرة حتى الآن” على وجود دور إيراني في العملية المزلزلة. وما زالت متمسكة بهذا الموقف حتى اليوم، رغم تزايد الشكوك، بل القناعة في واشنطن خاصة لدى المحافظين والصقور، حول هذا الدور بعد التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، والذي تحدث عن “مساعدة إيران” في هندسة الهجوم والإيعاز به. وقد عملت بعض الجهات والهيئات على نفخه. لكن الإدارة ردّت بما ينفي زعم “وول ستريت”، مؤكدة أنه “ما زال من السابق لأوانه الجزم بشأن هذا الدور” كما قال الثلاثاء المتحدث في الخارجية ماثيو ميلر.

وعلى أساس هذا الموقف، تتحرك الإدارة الأميركية على أكثر من خط لفرملة الوضع. ففي تغريدة الاثنين على حساب الوزير بلينكن حول مكالمته الأخيرة مع نظيره التركي حقان فيدان، جاء أن الحديث بينهما شمل احتمال “وقف النار”. لكن سرعان ما جرى حذف هذه العبارة من التغريدة بعدما تناقلتها وسائل التواصل وبعض وكالات الأنباء. وعندما سئلت الخارجية اليوم عن الحذف قالت إن التغريدة كانت تشير إلى “وقف أعمال العنف” ضد إسرائيل وأنه قد أسيء فهم العبارة فاقتضى شطبها! وفي تفسير آخر منسوب لمسؤول بدون ذكر اسمه، أن أحد مساعدي الوزير الذي أعدّ التغريدة “ذكر وقف النار بالخطأ”!

التوضيح الملتبس أوحى بأن العبارة كانت زلة لسان تشي برغبة ضمنية لدى الإدارة لضبط التصعيد لكن بعد عملية عسكرية محصورة “تعيد الاعتبار” لإسرائيل، وتعطي نتنياهو الضوء الأخضر للاجتياح مع الدعم اللامحدود وفي ذات الوقت تضع الاجتياح الكاسر في خانة “حق الدفاع عن النفس”.

وفي حين يتحدث الرئيس الأميركي عن القوة البحرية التي أرسلها إلى شرق المتوسط، بأنها قوة ردع لأي جهة أخرى تنوي التدخل، يبقى ردعه لإسرائيل محصوراً في تذكيرها بوجوب الالتزام بـ”القانون الدولي” في عملياتها العسكرية. وحتى في هذه الحدود لم تعترف الخارجية بأن قطع المياه والمواد الغذائية والكهرباء عن القطاع، مخالف لنص وروحية هذا القانون.

التحديثات الحية

ويحمل الوزير بلينكن معه أيضا قضية الرهائن، التي لا تقل أهمية وسخونة. الإدارة منذ اليوم الأول أوحت بأنها تتحرك نحو مخرج على شكل مقايضة عن طريق الحلفاء والشركاء في المنطقة. في هذا الخصوص، برز اسم قطر كوسيط رئيسي ثم تركيا. الخشية أن الغزو مع القصف المتواصل الذي تتوعد إسرائيل بتصعيده في الأيام القليلة القادمة، يسد احتمالات الحلحلة أمام الوساطة. الإدارة عرضت على إسرائيل “خبرات” واشنطن في استرداد الرهائن. في هذا السياق، ترددت الإشارة إلى خيار آخر يتمثل في عملية عسكرية خاصة لإنقاذ الرهائن. لكنه خيار يستبعده معظم الخبراء والعسكريين لعدة أسباب، منها “صعوبة العمليات في غزة” ثم عدد الرهائن بين 100 و150 حسب التقديرات، الموزعين على مواقع وأمكنة متفرقة.

من منظور واشنطن، حل هذه المعضلة يفتح باب حصر الحرب. انسداده قد يؤدي إلى توسيعها. المنفذ الأسلم والأصح والذي لا بديل عنه، كما يشدد العارفون والمجربون، يكمن في العودة إلى لبّ المشكلة وإلى “الدبلوماسية”، تذكير يتردد رغم صخب التأييد لإسرائيل لأن القضية الفلسطينية “باقية” كما قال أحد المراقبين. لكن إدارة بايدن تجاهلت وتأخرت وبالكاد تتمكن من السيطرة على الأحداث وبالمعايير الإسرائيلية.

*نشرت في العربي الجديد بتاريخ 11 تشرين الأول / أكتوبر 2023

Leave a Comment