ثقافة صحف وآراء

الحرب: منطَوَياتٌ لدخولِنا “المرحلةَ الجديدة”…

*أحمد بيضون

القولُ إنًّ المواجهةَ انتقلت إلى مرحلةٍ جديدةٍ معناهُ أنّ شيئاً حصلَ وكانَ قد قيلَ لنا إنّهُ لن يحصُل. معناهُ أوّلاً أنّ تصميمَ القيادةِ الإسرائيليّةِ الهائجةِ على المِضِيِّ قُدُماً في الحَرْبِ إلى الغايةِ المعلنةِ من جانِبِها لم يردعْهُ الرَدْعُ المُعْلَنُ المُقابِلُ ولا الضُغوطُ الدُوليّةُ ومنها التشديدُ الأميركيُّ والإيرانيُّ العالي النبرةِ على الرغبةِ في اجتنابِ حربٍ إقليميّةٍ بل أيضاً على الحؤولِ دونَ ما هُوَ أَقَلُّ من حربٍ إقليميّةٍ وهيَ الحربُ المفتوحةُ على لبنان.

مؤدّى الكلامِ نفسِهِ أيضاً أنّ “الإسنادَ”، بما ارتُضِيَ لهُ من أكلافٍ، لم يبعِد “الخطرَ الأعظمَ” عن لبنان – بخلافِ الوعدِ – بل أوشكَ على فتحِ الأبوابِ كلِّها أمامَ هذا الخطر. هذا فضلاً عن أنّ هذا الإسنادَ لم يَلْجِم الحربَ الاجراميّةَ في غزّةَ، على ما هُوَ ظاهرٌ للعيانِ، ولا حجبَ للفلسطينِيّينَ دَماً أو حَمى لَهُم حقّاً في المواجهةِ الجارِية.

ما حفظهُ هذا الإسنادُ، في الحدودِ المختارةِ له، هو هيبةُ القائمينَ بهِ وجَدارتُهم بما هم منذورونَ له: إذ حماهُم من الطَعنِ الذي كان خصومهم مِن كلِّ اتّجاهٍ سيُبادِرونَهمً به، ومعهم راعيهم الإيرانيًّ، لو انّهم أحجموا.

شيءٌ آخرُ لاحَ أحياناً في أفقِ الجبهةِ اللبنانيّةِ وهو إفضاءُ المواجهةِ إلى تطبيقٍ للقرارِ 1701 يردعُ الخرقَ الإسرائيليَّ اليوميَّ للفضاءِ اللبنانيِّ ويُسهِّلُ المطابقةَ (ومَدارُها أقَلُّ بقليلٍ من نصفِ كيلومترٍ مربَّعٍ موزّعٍ على 13 نقطة) ما بينَ “الخطّ الأزرقِ” المعلومِ وخطِّ الحدودِ الدوليّةِ بين لبنان وفلسطين. وهو ما كان يقلّلُ من احتِمالِ الوصولِ إليهِ ما يُقابلُه من اشتِراطِ القَرارِ إخلاءَ جنوبِيّ الليطاني من كلّ سِلاحٍ سوى سِلاحِ الجيشِ والقوّات الدوليّة.

واقعةٌ أضخمُ يظهَرُ اليومَ أنّها لم تَنَلْ نَصيبَها مِن الاعْتِبارِ: وهيَ رغبةُ القيادةِ الهائجةِ في إسرائيل في تعطيلِ المَرافِقِ النَوَويّةِ الإيرانيّةِ وسعيُها غيرُ الخَفِيِّ، من سِنينٍ، إلى جَرِّ حاميها الأميركي معها في هذه المغامَرة. فهل تَؤولُ حربُ غَزّة، بَعْدَ حينٍ، إلى فرصةٍ لِحَمْلةٍ من نوعٍ ما على تلك المرافق؟ لا أظُنُّ الأملَ في وضْعِ المواجهةِ الجاريةِ على هذه السِكّةِ الإجرامِيّةِ الأخرى قد غادرَ مُخَيِّلةَ القيادةِ الهائجةِ لحظةً في هذهِ الأيّامِ الأخيرة…

سَيَتَكَرَّرُ، في الوقتِ الحاضرِ، ما هو مَعْلومٌ مِن كلفةٍ تُرتِّبُها الحربُ المفتوحةُ على العَدُوّ. ما قد يكونُ في هذا من عزاءٍ لبَعْضِنا يَحِدُّ منه ابتِداءً أنّ الحربَ، على جاري العادةِ، لن يؤذَنَ لها بأن تكونَ “القاضيةَ” بأيِّ حالٍ، بل سيبقى أفقُها الأسودُ مفتوحاً على حروبٍ أخرى وعلى محنٍ من كلّ نوعٍ تَبِعَت حروباً سَبَقت… وأنّ مواردَ جبرِ الضَرَرِ، فضلاً عن وسائلِ التَدْميرِ والقَتْلِ، لا تَكافؤَ فيها أصلاً…

أصبحَ مرَجَّحاً، في كلِّ حالٍ، أنّ القيادةَ الهائجةَ تلكَ باتت تؤثِرُ استِثمارّ المواجهةِ الجاربةِ وتّحَمّلَ ما لابدّ منهُ لمحاولةِ مَنْعِ الضريبةِ من التعاظمِ سنةً بعدَ سنة. هذا إلى رغبةِ مرجّحةٍ أيضاً في إقامةِ الدليلِ على أنّ ما لَمْ يُفْلِحْ في حمايةِ لبنان لن يقفَ حائلاً دونَ التَعَرُّضِ لإيران.

هذا ولا سبيلَ إلى نسيانِ واقعةٍ هي أمُّ الوقائعِ في ساحَتِنا اللبنانيّةِ: وهي أنّ الحرْبَ المفتوحةَ، إذا شَبّت، إنّما تُفْرَضُ على بلادٍ مَنهوبةٍ ومجتَمَعٍ مكتومِ الأنفاسِ ممزّقٍ ومَصائرَ متداولةٍ تُراوحُ ما بين مأزقِ الفدراليّةِ ومأزقِ التقسيمِ ودَوْلةٍ تَرْضَعُ مؤسّساتُها وحلَ الحضيض..

… على أنَّ الحسينَ بنَ عليٍّ كانَ قد قالَ لوالي المدينةِ الأمويِّ، بعدَ أن أبلغَهُ إباءَهُ البيعةَ ليَزيد: نصْبِحُ وتُصْبِحونَ ونَنْظُرُ وتَنْظُرون…

*نشرت في المدن الالكترونية يوم الجمعة 2024/08/02

Leave a Comment