كتب الدكتور وهيب سلامة
الحرب، هي الحرب، إذ لم يكن في الحسبان ـ كما في المخيلات الواسعة، أن تجتاح الكرة الأرضية جائحة بهذا العنف والخبث، إن لسرعة الانتشار أم للتزايد المستمر في أعداد الاصابات والوفيات… وبعيداً عن لغة الارقام والأعداد وتوثيق الظهور المتجدد للعديد من متحورات الفيروس الأم COVID 19 المخيف، ولتسمياته الجديدة المتخذة أسماء المدن والعواصم والقارات أحياناً. المؤكد حتى الآن أن العاصفة لن تهدأ قريباً، والعديد من البلدان والشعوب- كما لبنان- ما تزال في عين العاصفة.
في خضم هذة المواجهًة الكبرى يقف الأطباء وحيدين متصدرين مع باقي عناصر “الجيش الأبيض”، من الجسم الطبي واللوجستي العامل في القطاع الصحي في مواجهة خطر الكارثة، عاملين على التخفيف من آثارها، وبناء خطوط دفاع متينة في مواجهتها. وخلال هذه المواجهة سقط من الجسم الطبي المقاتل العشرات من الأطباء شهداء ومصابين صارعوا من أجل الحياة وذوداً عن الإنسانية. هؤلاء الجنود الذين يقاتلون باللحم الحي ويصلون الليل بالنهار غير آبهين بالمخاطر المترتبة والمحدقة بحياتهم وأحبتهم والمغمورين بكل الحب والعنفوان والتقدير العالي للحياة والشعور النبيل لمعاني الإنسانية والواجبات الاخلاقية، ألا يستحقون الاحترام والتقدير والاعتراف بالجميل ما يبدد مخاوفهم، وينزع هواجسهم ويعزز ثقتهم، ويمنحهم الحماية والحضانة التشريعية الرسمية والمجتمعية، وكلها من الضرورات اللازمة للانتصار في المواجهة الكبرى!.
فلقد أثبتتت التجارب على مرِّ التاريخ أن بغياب التكافوء في موازين القوى، تلعب المعنويات، والحاضنة الأخلاقية والمجتمعية والثقة المتبادلة عنصر القوة والعلامة الفارقة لتحقيق النصر .
من هنا وللأسف الشديد يعتمر الغضب واليأس في آن، جموع الأطباء من ممارسات أصحاب الشأن وطريقة تعاملهم مع الأطباء وتضحياتهم؟!
من بعض الاعلام وأهله الذي يستأسد ويحرّف ويصطنع القصص والمرويات لإهانة المهنة الأشرف وأصحابها بحيث يجرى تضخيم العديد من الأخطاء والشوائب ما يرخي بظلاله القاتمة على العلامات المضيىئة في الممارسة اليومية للأطباء وإنجازاتهم العلمية والمهنية العالية المشرقة والمشرِّفة.
اما الوزارة الأم، والحكومة فقد غيبت حقوق الأطباء قصداً، ولم تعمل على إنصافهم بتشريعات وقرارات تحميهم وعائلاتهم من أخطار الإصابة والاستشهاد والعوز.
فالمصابون منهم مهملون ومتروكون تحت رحمة المرض وأصحاب المستشفيات، إن كان لناحية توفير السرير وكلفة الدخول والعلاج وفارق الهيئات الضامنة؟!!
والشهداء منهم لم يرتقوا إلى مرتبة شهداء الواجب تشريعاً قانونياً يحمي عيالهم، خاصة وأن الأطباء يعتبرون أصحاب مهن حرة ومحرومون من ضمان التقاعد والشيخوخة كما باقي المواطنين العاملين!؟
أما نقابتهم الأم المفترض أنها الحاضن والدرع الواقي، فقد أصابها ما أصاب الوطن، فمجلس النقابة نخره سوس الفساد والمذهبية، وعبثت به سياسات أحزاب السلطة وإئتلافها الحاكم على امتداد ثلاثين عاماً فضربت الإنجازات الديمقراطية والنقابية، وبددت المدخرات، وهدرت الموارد، وسادها التوظيف العشوائي، وغابت الشفافية في عمليات الصرف والمشتريات وبرز التناقض في الارقام نتيجة فقدان الرقابة القاعدية مع غياب عمليات قطع الحساب منذ العام ٢٠١٥.!
ونعطف هذا كله على غياب الممارسات النقابية الفعالة، الهادفة إلى إغناء روح الحوار وتطوير المشاركة الديمقراطية في المؤسسات الداخلية، والبحث في زيادة الإيرادات ورفع التقديمات للأطباء بما يكفل تأمين معاش تقاعدي وشيخوخة كريمة لهم ولعائلاتهم.
أمام ضخامة الأزمات التي يعيشها الأطباء في مواجهة الجائحة اللئيمة ذوداً عن حياتهم وحياة أحبتهم وأبناء شعبهم، نجدهم يعانون مما أصابهم مثلهم مثل جموع الشعب من آثار الازمة الاقتصادية، المالية والمعيشية المدمرة على يد سلطة النهب والفساد، وخاصة بعد نهب مدخراتهم وتضاؤل إنتاجهم وانخفاض مستوى معيشتهم، وإحالتهم كما زملائهم في الطبقة الوسطى من أصحاب الكفاءات والمهن الحرة إلى جيوش من الفقراء المحتاجين للدعم والمساعدة.
هذه السلطة التي قضت بأنانيتها وتمسكها بسياساتها الفاشلة والقاتلة على أي أمل للشعب بالخلاص عن طريق تشكيل حكومة انقاذ سريعة مستقلة متخصصة وفاعلة.
وفي الختام نوجز أبرز المطالب بالآتي:
١- توفير الدعم المعنوي والمادي والتشريعي لأبطال الجيش الأبيض.
٢- تكريم شهدائهم ورعاية مرضاهم، بتشريع يُصنفهم شهداء واجب وطني وانساني، وفتح أبواب جميع المستشفيات العامة والخاصة، لمصابيهم ومرضاهم دون أي عوائق وفوراق علاجية ونسب مئوية .
٣- على نقابة الأطباء أن تصب جلَّ اهتمامها على رعاية وحماية الأطباء وتعزيز حصانتهم وحقوقهم المادية والمعنوية.
وعلى الأطباء المكافحين والصادقين وسط هذه الظروف أن يمسكوا زمام قضيتهم بأيديهم، ويناضلوا متحدين لتطوير نقابتهم وتعزيز بنيانها وإصلاح مؤسساتها وتطوير وتعزيز دورها في صياغة السياسة الصحية الوطنية .
Leave a Comment