ليلى مروة
يطل عيد المرأة العالمي هذا العام، وقد أُثقلت يوميات المرأة اللبنانية بالهموم، وأضناها التعب وقسوة الحياة والضائقة الاقتصادية منذ عام ٢٠١٩ حتى اليوم. وفرضت عليها الهموم واقعاً غير اعتيادي، أضاف الى لائحة مسؤلياتها أدواراً لتلعبها، فكانت على قدر التطلعات، الا ان جملةً من حقوقها بقيت ضائعة، ولم تلتفت الدولة اليها، وفي مقدمتها الكوتا النسائية في الانتخابات المقبلة، فهل تتحرك الدولة وتنصفها؟
ساد الاعتقاد بأن المرأة اللبنانية تتمتع بحقوق ومساحة من الحرية اكثر من غيرها من نساء العالم العربي، فالاعلام اظهر للعالم ان النساء تستطعن ارتداء ملابس اكثر تحررا، ويتنقلن بسهولة في اجزاء معينة من البلاد، عكس البلدان الاخرى. كما ساد الظن ان المرأة اللبنانية تتمتع بحقوق مدنية متساوية مع الرجل، حيث ساهمت المنظمات غير الحكومية المحلية والاقليمية في زيادة الوعي حول العنف ضد المرأة في لبنان، ورغم ذلك بقيت السياسات الحكومية المتعلقة بهذا الامر ضعيفة،حيث قوبلت محاولات تحسين هذا المجال بالمقاومة.
لاشك أن الحركة النسوية حققت انجازات مهمة على مدى سنوات نضالها، و استطاعت نيل البعض من حقوقها، كان ابرزها مصادقة لبنان على الاتفاقية المتعلقة بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة سيداو عام 1997 ، الا انها تحفظت على المواد ٩ ، ١٦ و ٢٩ ، كذلك الغيت المادة ٥٦٢ من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بجرائم الشرف في العام 2011، وقام كذلك البرلمان اللبناني بإقرار قانون حماية النساء من العنف الاسري ربيع 2014.
ولكن رغم هذه الانجازات التي تحققت، الا أن قوانين الاحوال الشخصية، لا تزال تميّز ضد المرأة، اذ إن القانون اللبناني يحظر على المرأة اعطائها جنسيتها لاولادها وزوجها، ما يطرح مجموعة من المشاكل كالجنسية والهوية والطائفية والاحوال الشخصية والمواطنة.وعلى مدى السنوات المنصرمة انخرطت المرأة اللبنانية بشكل منظم او غير منظم في النضالات السياسية والوطنية والنقابية والحقوقية، وشاركت في الاحتجاجات والتظاهرات والاجتماعات، وحملت السلاح ضد الاحتلال وناضلت ضد الوصاية، الى جانب احتضانها لاسرتها ومجتمعها. لكن هذا النضال المثابر تمت مكافأته بالمزيد من الاهمال والتعتيم، كإمتداد تلقائي لتهميش النساء واهمال أدوارهن ومساهمتهن في صنع التاريخ بشكل عام، وذلك بسبب االدونية التي تعرضن لها على امتداد قرون وقرون وما يزال يتعرض لها دور النساء. هذا التاريخ المديد الحافل بالنضال والكفاح و الخبرة المكتسبة على مر السنوات، برز واضحاً في الحراك الشعبي الذي شهده لبنان خلال انتفاضة تشرين عام 2019 ، حيث نزلت النساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية الى الشارع، وكان للخطاب النسوي النقدي دوراه في بلورة جملة أهداف وتطلعات مشتركة أبرزها دون منازع رفض التلاعب بالسلم الأهلي، والتلويح بإستعادة الحرب الطائفية من خلال زج مجاميع ميليشياوية في أعمال القمع والترهيب.
لقد ظهرت النساء اللبنانيات المشاركات بأعداد كبيرة، متمتعات بخبرات متراكمة من العمل المطلبي ضمن الشان العام، ولا شك ان تطور الاعلام ووسائل التواصل قد ساعد كثيراً في هذا المجال، اذ إن النساء لم يأتن كوافدات على العمل السياسي في اطار الحراك الشعبي في لبنان ، لان الحراك شكل مساحة سياسية عامة احضتن في ساحاتها وميادينها نضالات شخصية ضد الفساد و عنف الدولة والعنف المجتمعي الذكوري، و ضد التغييب والتهميش و الإقصاء عن مواقع صنع القرار.
ومع تأزم الوضع بشكل تصاعدي في لبنان، و انتشار جائحة كورونا التي زادت من نسبة العنف الاسري، و كارثة انفجار مرفأ بيروت بالتوازي مع الوضع الاقتصادي المزري وانهيار قيمة العملة الوطنية، والارتفاع الجنوني للأسعار، و انعدام القدرة الشرائية عند المواطنين، اضافة الى إقفال العديد من الشركات و إفلاسها، و ازدياد نسب البطالة والفقر، زاد كل هذا الوضع من الضغط على المرأة اللبنانية وألقى على أكتافها أعباءً و مسؤوليات إضافية لم يشهدن مثلها في حياتهن رغم قساوتها، فقد باتت مساهمة رئيسية في إستعادة توازن الأسرة وضبط مسيرتها ، وهي المكافحة في البيت و خارجه. والكثير من النساء اجبرن على العمل بوظائف لا تناسبهن و لا تناسب طبيعة اختصاصهن ومؤهلاتهن وقدراتهن من أجل تأمين الحصول على حبة الدواء وعلبة الحليب ولقمة العيش وتوفيرها لأسرتها .
و مع تضاعف هذه الويلات التي تعصف بالبلاد وانهيار الخدمات العامة وما فرضته على الأسر من مهام وصعوبات، و مع تراجع ثورة ١٧ تشرين، أضحت المرأة اليوم مطالبة اكثر من قبل برفع صوتها والنضال من أجل نيل مطالبها خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات.
و من موقعي كناشطة نسوية في التجمع النسائي الديمقراطي، أدعو الهيئات والمنظمات النسوية لتوحيد مطالبها في جميع المجالات، من أجل ممارسة قدرة أعلى من الضغط على المجلس النيابي لدعم التشريعات الإصلاحية العامة، التي تعني كل المواطنين، والتي تدفع النساء أكثر من الفئات الاجتماعية ثمنها مضاعفاً بفعل ارتفاع معدلات الفقر والغرق في مستنقع الانهيار المعيشي والاجتماعي والاقتصادي . ويظل الأهم هو اقرار قانون الكوتا النسائية لضمان مشاركتها في القرار من خلال حضورها في مواقع السلطتين التشريعية والتنفيذية، للتعبير عن وزنها الاجتماعي، بعد أن باتت الأكثر تعليماً وتأهيلاً وقدرة على النهوض بمهام إعادة بناء الدولة والمجتمع . كذلك من المهم مكافحة ومعاقبة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما فيها:
- اعتماد قانون لمكافحة تزويج الأطفال والقاصرات، وتحديد 18 سنة كحد أدنى لسن الزو
- تعديل المادتين 503 و504 من قانون العقوبات لتجريم الاغتصاب الزوجي.
- إلغاء المادتين 534 و521 من قانون العقوبات اللتين تستخدمان لتجريم العلاقات المثلية وملاحقة مغايري/ات الهوية الجنسانية.
- رفع التحفظات عن الاتفاقات الدولية.
Leave a Comment