سياسة مجتمع

البرنامج اليومي لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية2/2: الفلسطينيون أمام خيارات ثلاثة: التهجير والعبودية والموت قتلاً

 زهير هواري

بيروت 12 آب 2024 ـ بيروت الحرية

يتضح من السلوك اليومي الذي اشرنا إلى نموذج يوم من وقائعه، أن إسرائيل تعاود احتلال الضفة بعد احتلالها الأول في العام 1967، فتقتل من تقتل وتعتقل من تعتقل وتدمر ما تدمر وتصادر ما تشاء من أراض. حتى قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان إن “سلطات الاحتلال الاسرائيلي استولت منذ مطلع العام الجاري على نحو 40 ألف دونم من أراضي المواطنين”، وأوضح أن “24 ألف دونم من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها أعلنها الاحتلال تحت مسمى أراضي دولة، في أكبر عملية استيلاء على الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً تحت هذا المسمى”.

وأشار شعبان إلى أن “سلطات الاحتلال استهدفت المحميات الطبيعية بشكل ممنهج لتستولي على ما مجموعه أكثر من 15 ألف دونم في إطار نزع الملكية والاستيلاء، كما أقامت في الفترة ذاتها 20 بؤرة استعمارية جديدة، وقدمت للدراسة أكثر من 19 ألف وحدة استعمارية جديدة، وحولت 11 بؤرة إلى مستعمرات، ومنحت صلاحيات جديدة بتكثيف عمليات الهدم”.

ولفت إلى أن “الاحتلال حرض المستعمرين على تنفيذ مخططات التهجير القسري، عبر تهجير 26 تجمعاً بدوياً وتنفيذ أكثر من 1300 اعتداء و23 محرقة في القرى والبلدات، كما قدمت سلطات الاحتلال للكنيست الاسرائيلي مجموعة من القوانين العنصرية، بغرض السيطرة على الأغوار، وعلى مستعمرات جنوب الضفة، وعلى المواقع الأثرية، والعودة بالاستعمار إلى شمال الضفة، والتي تندرج كلها في إطار الضم الشامل والكامل للأرض الفلسطينية. وشدد شعبان “أن المعطيات الخطيرة تؤشر إلى سيطرة الاحتلال على أكثر من 43% من مجمل مساحة الضفة الغربية”.

من جانبه، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري، إن “عملية التهجير القسري في الضفة تتخذ 4 أشكال:

 أولاً: الإرهاب المباشر لجنود الاحتلال والمستعمرين.

 ثانياً: تضييق سبل العيش ومصادرة سبل المعيشة ومنع العمال من العمل وتقييد وصولهم.

 ثالثاً: التهجير المباشر من خلال عمليات الهدم واستباحة المناطق الفلسطينية.

 رابعاً: منظومة الحواجز التي تتحكم في كل مفاصل الحركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وأكد العاروري أن “عام 2023 هو الأسوأ على صعيد الهدم منذ نحو 30 عاماً، فقد شهد النصف الأول من عام 2024 زيادة في جرائم الهدم بنسبة 43 في المئة مقارنة مع عام 2023 و65% مع عام 2022”.

وهو ما يطرح مسألة سياسات إسرائيل في مناطق ما تزال تصنف في الأمم المتحدة أنها تحت الاحتلال، وهو ما تريد إسرائيل التخلص منه وإلحاقها بـ “أراضي الدولة “، أي أن إسرائيل لا تعترف باحتلالها لها، لذلك تمارس ما تشاء من سياسات بمعزل عن القوانين الدولية وقوانين الحرب التي تنص عليها اتفاقيات جنيف. يمكن من خلال ذلك فهم أسباب قتل من تشاء ونهب ما تستطيع نهبه من ممتلكات ومصادر مياه وتقطيع الاوصال، وتخريب للمرافق العامة ضمن استهداف جعل الحياة مستحيلة على الفلسطيني، ودفعه نحو الرحيل مرغماً. بالطبع تطمح إسرائيل للتخلص مما تبقى من قيود وردت في اتفاقية أوسلو والمفاوضات الثنائية المعطلة. وعليه، فهي تضغط بأقصى قوتها على السلطة: سياسيا وأمنيا ومالياً واقتصاديا واجتماعيا. وتتجاوز ذلك إلى تهديد المنظمات الدولية والعاملين في مؤسساتها، والا كيف يمكن تفسير تصنيف الاونروا منظمة إرهابية من قبل الكنيست الشهر الماضي.

خلفية الجرائم اليومية

لا يمكن النظر إلى جملة هذه الجرائم دون ربطها بحملات الإبادة الانتقامية التدميرية التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة. مع فارق أساسي قوامه أنه يصل مصوراً إلى العالم الخارجي، بينما ما تشهده الضفة بات يسجل في خانة الحوادث اليومية تقريباً، علماً أنه سياسة ممنهجة للقضاء على حلم الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال، وأن يكون له وطن ودولة وهوية. وعليه يجب ربطه بما قرره الكنيست في 18 / 7/ 2024  عندما تبنى قراراً نص للمرة الأولى على رفض إقامة دولة فلسطينيىة. وهو القرار الذي أيده 68 عضواً منهم زعيم حزب “الوحدة الوطنية” الإسرائيلي بيني غانتس ونواب حزبه، بينما عارضه 9 نواب فقط . وحظي القرار بدعم أحزاب في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والأحزاب اليمينية، فيما غادر النواب من حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل) الذي يقوده زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد الجلسة لتجنب دعم القرار.

ويعلن القرار معارضة “الكنيست بشدة” إقامة دولة فلسطينية، ويعتبر أن إقامتها “في قلب أرض إسرائيل يشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة”.

وبذلك ردت إسرائيل على حديث بايدن عن دولة فلسطينية، وعلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدت في أيار/مايو – وبأغلبية 143 صوتاً ومعارضة 9 وامتناع 25 عن التصويت، قراراً يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بعد أن سبق وحصلت على صفة عضو مراقب في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وكذلك على قرار محكمة العدل الدولية التي اعتبرت الضفة الغربية منطقة محتلة، لا بد من انسحاب إسرائيل منها والتعويض على أهلها ما تعرضوا له من خسائر.

وتزداد الضغوط القانونية على إسرائيل والولايات المتحدة، الداعمة لها، منذ إعلان محكمة العدل الدولية، أن تواصل الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة “غير شرعي”، مضيفةً أن على إسرائيل واجب إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن، والتعويض عن الخسائر للأفراد، كما أن عليها واجب إعادة الأراضي التي سيطرت عليها في عام 1967 وهدم الجدار العازل في جزء من الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وكذا عدم الاعتراف بشرعية الوضع القائم والوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إسرائيل الكبرى

الواضح أن اليمين الصهيوني الحاكم يسعى جاهدا للتوصل إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تشمل إلى جانب الضفة الغربية الأردن وإجزاء من لبنان وسوريا مستنداً إلى التفكك العربي والدعم الغربي. ولم تتوقف الحكومة الإسرائيلية مرة عند تحذيرات حلفائها الغربيين في أوروبا وأميركا من فرض عقوبات جديدة على المستوطنين وقادتهم، بسبب سياسات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الضفة الغربية، التي ينظر إليها دولياً على أنها ضم للضفة.

ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي، عن ثلاثة مسؤولين أميركيين، أن الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ناقش خطوات محتملة لفرض عقوبات على وزيري المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، على خلفية التطورات التي تجري في الضفة الغربية.

وأوضح الموقع أنه جرى عقد اجتماع في البيت الأبيض بعد تصاعد أعمال العنف من قبل المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقرار الحكومة الإسرائيلية بالتخطيط لبناء خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة وإضفاء الشرعية على خمسة مواقع أخرى.

وأوصى كبار المسؤولين في البيت الأبيض، الرئيس الأميركي بفرض عقوبات على سموتريتش وبن غفير، لكن بايدن رفض حينها هذا الاقتراح على أساس أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تفرض عقوبات على المسؤولين المنتخبين في “الدول الديمقراطية”!. وهو أغرب منطق يمكن سماعه، إذ لو جرى اعتماده لكان كل من أحفاد هتلر وموسوليني ما زالوا على رأس السلطة في المانيا وإيطاليا إلى اليوم.

وتعهد سموتريتش، أكثر من مرة، علناً، بجعل حل الدولتين مستحيلاً وهو ما يتقاطع فيه مع نتنياهو الذي عندما رد على محكمة العدل الدولية، ب”أن اسرائيل لا تحتل أرضها”، في إشارة إلى الضفة الغربية التي يطلق عليها إسم “يهودا والسامرة”، ما يعني أنها أراض إسرائيلية مثلها مثل سواها مما ورد في الوعد الإلهي التوراتي وأراضي العام 1948. وقد اتخذت قوى اليمين الصهيوني العديد من الإجراءات لتوسيع المستوطنات، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، ودعم وتسليح المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين. فيما أمر بن غفير الشرطة الإسرائيلية بعدم اتخاذ إجراءات ضد المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين وقوافل مساعداتهم. وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قد كشفت، عن مقطع مصور لسموتريتش يُفصح فيه عن خطة لتعزيز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية من دون إعلان ضمّها رسمياً. وسُمع الوزير الإسرائيلي في المقطع المصور وهو يقول إنّ الهدف منع الضفة من أن تصبح جزءاً من دولة فلسطينية. وأضاف: من شأن هذه الخطوة أن تجعل السيطرة الإسرائيلية على الضفة مقبولة دولياً.

وخلال المقطع المصور الذي يعود إلى خطاب ألقاه سموتريتش في 9 يونيو/ حزيران خلال تجمّع للمستوطنين، استعرض برنامجه الذي يشير إلى نقل صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية المحتلة من الجيش إلى “الإدارة المدنية” التي يقودها سموتريتش نفسه، وهو ما كان الأخير قد طالب به على مدار الأشهر الأخيرة من أجل منح المستوطنين تراخيص استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية. ويمكن قراءة مثل هذه السياسة بما ترمز إليه من محاولة لتغليب الاستيطان الصهيوني على أبناء البلاد الفلسطينيين، إذ إن قتلهم وحرمانهم من مقومات الحياة والعيش واستحالة توفير الحد الأدنى من ضروريات البقاء عليهم، من شأنها أن تقود إلى ترحيل الفلسطينيين من بيوتهم وإلحاقهم بمن سبقهم من اللاجئين أبناء بلادهم.

ويُعدّ سموتريتش أحد أكثر الوزراء تطرفاً في تاريخ كيان إسرائيل، حيث سبق أن دعا إلى “محو” بلدة حوارة الواقعة جنوب مدينة نابلس شمالي الضفة من الخارطة، و”إبادة” الفلسطينيين في قطاع غزة، فضلاً عن أنّ صحيفة هآرتس اقتبست منه قوله، في لقاء مع قيادات التيار الديني القومي، إنه يضع الفلسطينيين أمام ثلاثة خيارات: المغادرة، أو العمل في خدمة اليهود، أو القتل. وقد أثار سموتريتش قبل عام جدلاً واسعاً عندما عرض في أثناء محاضرة ألقاها في باريس خريطة ما سمّاها “إسرائيل الكبرى”، التي تضمّ إلى جانب فلسطين، الأردن وأجزاءً واسعة من سورية ولبنان. لكن سموتريتش وبن غفير ليسا يتيمين ووحيدين بين حكومة وأحزاب تضم أكبر عدد من المتطرفين أفرادا وجماعات في تاريخ الكيان الصهيوني.

Leave a Comment