سياسة

البرنامج اليومي لقوات الاحتلال الإسرائيلي في  الضفة الغربية1/2: الفلسطينيون أمام خيارات ثلاثة: التهجير والعبودية والموت قتلاً

زهير هواري

بيروت 6 آب 2024 ـ  بيروت الحرية

اليوم هو يوم السبت الموافق في الثالث من آب / أغسطس 2024. اختيار اليوم لم يكن مقصوداً، لكنه يوم كأي يوم آخر في حياة أهل الضفة الغربية المحتلة. الأونروا وصفت ما تشهده الضفة بأنه حرب صامتة. ولكن التشبيه يحتاج إلى تدقيق. فما يجري ليس حربا صامتة، إلا بالمقارنة مع ما تعانيه غزة من حرب إبادة صاخبة لا تترك مدينة أو مخيماً أو حياً الا ويطاله صخب القصف بواسطة الدبابات ومدافع الميدان والطائرات، وكل ما يتوافر من أسلحة وصلت للتو من المصانع الأميركية والغربية.

على أي حال بالعودة إلى ما شهدته الضفة الغربية صباح يوم السبت المذكور، يتبين أن خمسة فلسطينيين قضوا في قصف مسيّرة اسرائيلية سيارتهم قرب بلدة زيتا شمالي طولكرم، في الضفة الغربية المحتلة. في اليوم نفسه وبعد الظهر استشهد أربعة فلسطينيين جرّاء قصف الاحتلال سيارة أخرى بواسطة طائرة مسيّرة بين بلدة بلعا وضاحية اكتابا شرقي طولكرم. وعشية اليوم نفسه أصيب ثلاثة مواطنين فلسطينيين في بلدة العيسوية شمال شرق مدينة القدس المحتلة، برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامه البلدة. كما اقتحم الاحتلال، فجراً بلدات برقة وجماعين وسبسطية في نابلس، وبلدة دير أبو ضعيف شرق جنين. كل هذا هو جزء من الاقتحامات اليومية التي ينفذها الاحتلال لمدن وبلدات الضفة الغربية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وهو ما دفع الاونروا إلى اطلاق الوصف الذي ذكرته الوكالة الأممية ورأت فيه أن “الوضع في الضفة يتدهور يوماً بعد يوم، فمخيما نور شمس وطولكرم (شمال) يعانيان نقص المياه وانقطاع الكهرباء”، موضحة أن عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي “مستمرة وتسبب الدمار وتهدد حياة المواطنين”. والتدهور ليس حصيلة يوم السبت المذكور، بل هو عبارة عن سلوك وممارسة يومية عمرها سنوات متلاحقة.

القتل والقمع في يوم نموذجي

جريدة “العربي الجديد” قامت بمتابعة وضع الضفة الغربية طوال ذلك اليوم بالدقيقة والساعة ليتبين لها أن اقتحامات جيش الاحتلال لم تهدأ منذ الصباح الباكر وحتى آخر الليل، بدءا من مخيم بلاطة شرق نابلس حيث أصيب شاب عمره 28 سنة بالرصاص ما رفع العدد إلى ثلاثة، كما أصيب طفل يبلغ من العمر 14 عاماً. أما القصف بالمسيرات فقد تكرر لمرات ثلاثة في اليوم ، بينما شيع الفلسطينيون المسعف تامر محمد صقر في مخيم بلاطة بعد أن توفي متأثراً بجراح أصيب بها السبت الماضي خلال إخلائه إصابات عدد من الشبان بواسطة طائرة مسيرة.  واستهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من الصحافيين خلال تغطيتهم وقائع اقتحام مدينة ومخيم طولكرم، وتعرض ثلاثة منهم للاختناق ما دفع الهلال الأحمر للتدخل وإسعافهم.

ثم عاودت قوات الاحتلال في اليوم نفسه اقتحام مدينة طولكرم للمرة الثانية بعد ساعات من استشهاد الشبان الخمسة، كما اقتحمت قرية عبوين وعدة قرى مجاورة شمال غرب رام الله، ما أدى إلى اندلاع مواجهات بين الشبان وتلك القوات التي أطلقت الرصاص، ما أدى لإصابة شاب بجروح خطيرة في الصدر ونُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج. كذلك اقتحمت بلدة قفين، شمال طولكرم. وأوضح نائب رئيس بلدية قفين محمود عمار أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت البلدة بالتزامن مع قصف مركبة استشهد فيها عدد من المواطنين ما أدى لاشتباكات مسلحة. وشهدت مدينة نابلس بدورها اشتباكات بالأسلحة الرشاشة مع قوات الاحتلال.

ونعت فصائل العمل الوطني في طولكرم شهداء المدينة ومخيمها ومخيم نور شمس، معلنة الإضراب الشامل “تنديداً بجريمة الاغتيال”. وخلال الاقتحامات خرَّبت قوات الاحتلال بالجرافات العسكرية البنية التحتية في المناطق المستهدفة على نحو باتت معه غير صالحة للاستعمال أو الاصلاح. واحتجزت قوات الاحتلال مركبة إسعاف واقتادت طاقمها للمعسكر المحاذي لبلدة عزون شرق قلقيلية. كما اقتحمت بلدتي رابا ودير أبو ضعيف في جنين وبرقة جنوب نابلس. وأصيب ثلاثة مواطنين فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي، في ساعة متأخرة من ليل الجمعة – السبت،  في بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة، خلال اقتحامها. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص والقنابل الغازية السامة والقنابل الصوتية تجاه المواطنين ومنازلهم خلال مواجهات عنيفة اندلعت في البلدة. في الوقت ذاته أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت، بين أمس واليوم السبت، 30 فلسطينياً على الأقل من الضّفة الغربية، بينهم صحفيان، بالإضافة إلى أطفال وأسرى سابقين.

وتوزعت عمليات الاعتقال على محافظات جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم وطولكرم والخليل وطوباس والقدس، بينما تواصل قوات الاحتلال إلى جانب ذلك تنفيذ اعتداءات وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، وتخريب وتدمير منازل المواطنين.

وأشارت الهيئة والنادي إلى أنّ حصيلة الاعتقالات بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بلغت أكثر من 9920 حالة. وهذه الحصيلة تشمل من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، ومن أُفرج عنهم لاحقًا. أما الذين قتلتهم قوات الاحتلال في الضفة منذ تشرين الأول الماضي فقد بلغ حوالي 600 بينهم قرابة 125 طفلاً.

مسيَّرات الموت اليومي

ما يتوجب الانتباه له هو ما شهدناه يوم السبت المذكور. فالواضح أن المسيَّرات الإسرائيلية جرى استعمالها ثلاثة مرات، وأن القصف الذي نفذته هو ما أودى بحياة الشهداء التسعة. استعمال هذا النوع من الطيران كان قد توقف لبعض الوقت إثر الاحتجاجات الدولية والأممية على الحكم بالاعدام الذي تنفذه المسيَّرة مهما كانت جريمة المتهم، هذا عدا أنها يمكن أن تصيب سواه من مواطنين يقيمون معه في المنزل نفسه أو على طرقات الأحياء. ما دفع بوزير الدفاع إلى توجيه أوامره بالتوقف عن استخدامها في مطاردة المطلوبين الفلسطينيين. لكنه منذ أسبوعين أعاد السماح باستعمالها وباتت حاضرة في كل عملية مداهمة لحي في مدينة أو مخيم وقرية. أيضا لا بد من ملاحظة أن مداهمات اليوم المذكور تولتها قوات جيش الاحتلال، وهذه لا تختزل القوى التي تهاجم الفلسطينيين في ارضهم وبيوتهم المحتلة، فهناك الأجهزة الملحقة بالمؤسسات الأمنية، والاهم بينها فرق المستعربين وما شابه من مجموعات أمنية تتولى عادة تصفية المقاومين ببرودة أعصاب كاملة. أيضا لدينا المستعمرين الذين تولى بن غفير تسليحهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة على حساب ومن حساب الدولة بطبيعة الحال. ما أثار حملة داخلية وصفت من يجري توزيعها عليهم بأنهم ميليشيا تابعة للقوى الأكثر تطرفاً بين أحزاب اليمين في البلاد، وأن ذلك من شأنه أن يضع علامة استفهام حول بقاء الجيش مسيطراً على الوضع، والذي يخضع لتراتبية سياسية لا تنطبق على هذه الميليشيا المسعورة المكونة على الأغلب من الحريديم. ومن المعروف أنه منذ الشروع في عملية التسليح تضاعفت الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين، واتخذت اشكالا متعددة منها قتل المواطنين الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم واحراق مزروعاتهم وسياراتهم ونسف منازلهم وقطع الطرق على تنقلاتهم وغيرها، دون حد أدنى من تدخل الجيش والقوى الأمنية لحمايتهم من التعديات. ما يعني أن الفلسطينيين في الضفة يعيشون تحت ضغط منوعات من القمع الذي يتراوح بين النظامي منه ( جيش وأجهزة أمنية ) وأهلي بواسطة المسلحين من المستعمرين. بالطبع شكلت عمليات التسليح خطوة متقدمة في سياسات الإخضاع وتحويلها إلى مهمة أهلية أيضاً،  بهدف إرغام المواطنين على الانصياع أو ترك بيوتهم ومغادرة البلاد. على أي حال أثارت عمليات القتل والتخريب غضب العديد  من الدول ودفعها للاحتجاج بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، لأنه طال مواطنين يحملون جنسيتها. وهو ما يفسر موقف وزير الدفاع منعاً وإجازة.

Leave a Comment