يطل العهد على سنته الثالثة وهو مثقل بالفشل في جميع المجالات. فالملفات التي تثبت عجزه لا حدود لها، من كبيرها إلى صغيرها. فبعد ستة أشهر على التكليف بتشكيل حكومته الأولى! يظهر العهد عجزه عن إظهار نفسه قادراً على جمع القوى السياسية بوصفه “بي الكل”، كما يردّد. بل على العكس، أظهرت محاولة التأليف كم أن العهد بعيد عن تجميع شركائه في الحكم خلف مصالحهم. برز العهد طرفاً فئوياً يرغب في احتكار الحكم، ويهدف إلى إلغاء الآخرين من سائر القوى والطوائف. سبق له أن حاول فرض نظام رئاسي يستند إلى العسكريتاريا مستعيداً حلم الديكتاتوريات العربية الغابرة. مهما كانت صراعات أهل الطوائف على المراكز والوزارات، فإن العهد يبقى مسؤولاً عن انعدام اللحمة بين هذه القوى. وهو أمر يتطلب منه أن يتجاوز فئويته لصالح العام. لكن فاقد الشيء لا يعطيه.
الملف الأكثر خطورة والذي يصفع العهد ويصمه بالفشل هو الوضع الاقتصادي. لا أحد اليوم إلا ويشعر بالانهيار الاقتصادي المتمادي، والذي يجد تجلياته في إفلاس المؤسسات التجارية وإقفالها، وفي البطالة المتزايدة، وفي القلق من التدهور النقدي. سبق للمجتمع الدولي أن قرر في مؤتمرات متعددة تقديم قروض ومساعدات للاقتصاد. لكن الحصول على هذه القروض مرهون بوجود حكومة تقوم على إدارتها وانفاقها، وقبلاً تحقيق العديد من الإصلاحات الملحة. معلوم أن الفشل في تشكيل الحكومة يؤثر سلباً على تعهدات الدول الغربية. لم تعن هذه المخاطر للعهد أي ردة فعل تدفع بالوضع السياسي المرتبط عضوياً بالشأن الاقتصادي إلى التصرف بغير اللامبالاة مع أزماته. صحيح أن العهد يتحمل المسؤولية الأولى عن هذا التدهور، بصفته الراعي المفترض للبلاد، إلا أن الطبقة السياسية المحيطة به، أو المعارضة له تتحمل أيضا مسؤولية في هذا المجال. في كلا الحالتين نحن أمام طبقة تفتقد الأهلية في إدارة البلاد.
من “منجزات” العهد العظيمة خلال هاتين السنتين وصول الفساد إلى أعلى ذراه، بدءاً من أعلى الهرم إلى قاع المجتمع. لنتذكر أن التسوية التي أتت بالحكم الحالي قبل عامين شابتها شكوك كبيرة عن صفقات مالية بين أركان التسوية نفسها. خلال العامين الماضيين، كانت الصفقات المشبوهة السمة العامة للمشاريع، سواء عن طريق التلاعب بدفاتر الشروط بما يجعل كل صفقة محصورة بشركة أو شركات محدودة. من صفقات البواخر التي لا تزال موضع جدل بين الأطراف السياسية، إلى
صفقات الاتصالات حيث عمدت الوزارة إلى تعطيل كل ما يتصل بالخدمة العامة في قطاع الأنترنت، لصالح شركات خاصة. ناهيك عن صفقات الأشغال العامة التي تخضع لتقاسم الأموال المرصودة.. هذه عينات عن الفساد في القمة، أما على المستويات الوسطى والأدنى، فحدث ولا حرج، عن المعاناة التي تصيب المواطن، فلا تمر معاملة دون أن تخضع للرشوة.
ومن المنجزات المبهرة، أننا نشهد في هذا العهد الانتقال من حكم الدولة إلى حكم المافيات والعصابات، وهو أمر نجد أدلته في كل قطاع وزاوية من قطاعات البلد.من معضلة الكهرباء التي يرفض أركان العهد إنشاء معامل كحل دائم لانقطاعها، لأن ذلك يحرمهم من النهب، فاعتمدوا صيغة المولدات التي تضع المواطن رهينة مافيا يتبدى يوماً بعد يوم كم أنها أقوى من الدولة. وما مهزلة العدادات الأخيرة سوى دليل على تسليم الدولة هذا القطاع إلى أصحاب المولدات. قطاع آخر، بات تحت حكم المافيات هو مياه الشرب، الذي تتحكم به اليوم مافيا أصحاب الشركات للمياه المعبأة وأصحاب الصهاريج الذين يدفعون إلى موظفي المياه لقطعها عن السكان، من أجل إجبار المواطن على شراء الماء.
في قطاع الصحة، حدث ولا حرج عن المافيات التي تتلاعب بالدواء، فتستبدل الأدوية الصحيحة بأدوية مزوّرة فاقدة الصلاحية. هذه العصابات تسرق الأدوية غالية الثمن، خصوصا أدوية السرطان، وتبيعها في السوق السوداء، مقابل إعطاء المواطن أدوية قليلة الفعالية. أما التضارب بين الأجهزة الرسمية فقد شهده البلد خلال أسابيع ماضية في الصراع بين أجهزة الأمن في مطار بيروت، والتي تسببت في تعطيل الملاحة وحرمان المسافرين من الذهاب أو الإياب، في وقت يفترض أن تكون هذه الأجهزة، هي الراعية لمصالح المسافرين وتأمين الخدمات الضرورية لهم.
ذلك غيض من فيض عن إنجازات العهد في فترة حكمه حتى الآن. لا تشي الأيام القادمة بتحول نحو تحقيق الشعار الذي أطلقه العهد في إقامة حكم التغيير والإصلاح. يحتاج البلد بالتأكيد إلى الإصلاح، لكن الطبقة المسيطرة عليه، وعلى رأسها العهد وأركانه، لا يمكن الوثوق بقدرتها على الدخول في هذا المعمعان. فهي تفتقد إلى أي برنامج أو عقل إصلاحي، بل أن ما ينتظر البلد قد يكون أسوأ مما هو عليه الآن.
[author title=”المحرر السياسي” image=”http://”][/author]