*محمد حجيري
اغتيل اسماعيل هنية، الواجهة السياسية والدبلوماسية لحركة “حماس” الفلسطينية، مع حارسه الشخصي، في قلب طهران. اغتيل بصاروخ اسرائيلي موجّه نحو غرفة نومه، بل نحو جسده مباشرة. أطلق الصاروخ من بلد مجاور ربّما. كان هنية ذاهباً للمشاركة في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
في خبر الاغتيال، نستنتج استفزازت بالجملة، تسجيل أهداف بالجملة في مرمى إيران التي قال مرشدها الأعلى، علي خامنئي: “إسرائيل وفرت أساساً لمعاقبتها بقسوة، ومسؤولية الانتقام لإسماعيل هنية تقع على عاتقنا”. لا نريد أن ندخل في التحليل، إذ لا نملك سوى العواطف والأحزان الدائمة التي تتجدّد في كل مرة، مع كل انتكاسة، وما أكثر الانتكاسات، سواء التي تحصل بفعل شراسة العدو وحقده، أو التي تأتي نتيجة تهور بعضهم في العمل السياسي.
كان خبر اغتيال هنية صادماً في الصباح، أتى بعد ساعات على غارة نُفذت على الضاحية الجنوبية لبيروت وقيل إنها اغتالت القائد العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر. سنسمع الكثير من التنديد والوعيد، والكثير من الدعوات إلى التهدئة. الكثير من القيل والقال والتحليلات والبلبلة، وستتكرر صورة الإسرائيلي الكريه الذي يوزع الحلوى فرحاً بالاغتيال…
اغتيال هنية من قبل العدو، مشهد يتكرّر باستمرار، سواء كان الأمر يتعلق بقيادة حماس (عبد العزيز الرنتيسي، الشيخ أحمد ياسين، الشيخ صالح العروري)، أو بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الروائي غسان كنفاني، أبو علي مصطفى)، أو قادة منظمة التحرير (كمال عدوان، كمال ناصر، أبو جهاد، أبو حسن سلامة…) أو قادة الجهاد الإسلامي(فتحي الشقاقي)…
المشترك بين الاغتيالات كلها أن إسرائيل تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية بشتى السبل والوسائل، سواء باحتلال الأرض أو بالمجازر أو بالتهجير أو بالاغتيالات. اسرائيل غير معنية إن كان الجانب الفلسطيني عرفاتياً أم شيوعياً أم حمساوياً أم قبلياً. بالنسبة إليها، الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، والعربي الجيد هو العربي الميت. الجديد والبارز في قضية اسماعيل هنية، أن الاغتيال حصل على أرض جديدة، في قلب طهران النووية الصاروخية “الثورية” التي “تكبّر الحجر”، وليس في بيروت مسرح الاغتيالات والخاصرة الرخوة، أو تونس أو قبرص أو مالطة أو روما…
حصل الاغتيال في بلد يرفع شعارات “على طريق القدس”، “زحفاً زحفاً نحو القدس”، أو “يا قدس إننا قادمون”، ويحتفل بيوم القدس ولديه “فيلق القدس” ودمّر سوريا وهو في طريقه إلى القدس، عدا عن الجيوش والأذرع الكبيرة في المنطقة.
كأن القصد من إغتيال هنية، إصابة طهران في عمقها، في قلبها، كأن القصد إحراج طهران ومحورها.
كثر يسألون أين الدفاعات الجوية الإيرانية؟ أين الحماية الاستخباراتية لهنية المهدّد بالاغتيال منذ 7 أكتوبر، بل منذ بداية التسعينات، إذ استبعد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان مع مجموعة من الحمساويين؟ وقبل اغتياله، اغتيل أفراد عائلته في غزة. إنه صورة للتراجيديا الفلسطينية اليومية، الصورة الدائمة منذ سبعين عاماً، منذ تآمر الكون على فلسطين وتأسيس إسرائيل العام 1948.
لا نملك سوى أن نحزن عميق الحزن على الشعب الفلسطيني الأعزل، وعلى فلسطين التي لن تموت قضيتها، والتي تأتيها الويلات من الحلفاء والأعداء والأصدقاء.
إلى أي مدى يستطيع الحضن الإيراني فعلاً حماية القضية الفلسطينية؟ ميناء الحديدة اليمني؟ الأسئلة مطروحة. لكن المؤكد أن البروباغندا الإيرانية وأخواتها لا تني تُعيّش الجماهير انتصاراتٍ دائمة. تصنع حكاية إبرة المقاومة التي تسقط منطاد العدو، وتنفش ريش “الهدهد” وصُوَره. أما العدو، فيصطاد الشخصيات المقاوِمة في منازلها وسياراتها وغرف نومها.
*نشرت في المدن الالكترونية يوم الأربعاء 2024/07/31
Leave a Comment