سياسة مجتمع منشورات

اسرائيل تحت قلق التوازن بين اليمين والعسكرتاريا

قد تميزت الانتخابات المذكورة بمناخات حادة بين القوى اليمينية المتنافسة سواء أكانت علمانية أو دينية وصلت حدود الاتهامات المتبادلة، ونزع الصلاحية عن عودة نتنياهو إلى الحكم بعد الاتهامات الموجهة له. وشهدت تحالفاتٍ واصطفافات جديدة،

قرر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين تكليف زعيم “الليكود”، بنيامين نتنياهو، تشكيل الحكومة القادمة. أما سبب التكليف تبعاً لما أعلنه ريفلين، فهو حصول نتنياهو على ترشيح 55 عضواً من أعضاء الكنيست، فيما حصل بني غانتس على ترشيح 54 عضواً، أي بفارق صوت فقط. وتبعاً لقرار التكليف يباشر نتنياهو اتصالاته لتشكيل حكومته الخامسة، علماً أن معسكره يضم 55 نائبا فقط ، ويبقى بحاجة إلى تأييد وثقة 61 عضواً على الأقل من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120. ولأن 61 مقعداً هو العدد المطلوب الذي لم يكن يتوفر لكل من غانتس ونتنياهو فقد حاولا تشكيل ائتلاف بين حزبي الليكود وأزرق أبيض، كي لا يضطر أي منهما إلى التحالف مع الأحزاب الصغرى، وهو ما لم تنجح بتحقيقه الاجتماعات الثنائية والثلاثية التي حضرها أفيغدور ليبرمان هو الآخر. أما سبب الفشل في تشكيل حكومة “وحدة وطنية” فمرده اشتراط بني غانتس  ألا يكون نتنياهو جزءاً منها. وهو أمر من المستحيل على نتنياهو القبول به، باعتباره يواجه اتهامات بالفساد لا ينقذه من الأحكام التي قد تصدر بحقه، سوى أن يتمتع بالحصانة القانونية من خلال رئاسته للحكومة. لذلك تمحورت عروض نتنياهو حول تدوير رئاسة الحكومة بواقع سنة له في البداية، ثم سنتين لخصمه، يعقبها سنة رابعة له. والواضح من العرض أن المقصود هو الإفلات من  المحاكمة التي قد تقوده إلى السجن، علماً أنه سبق وعرفت اسرائيل المداورة في الثمانينيات بين رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، وإسحق شامير سلف نتنياهو في حزب الليكود. فقد تناوبا على رئاسة الوزراء في الفترة بين الاعوام 1984 و1988.

وتكليف نتنياهو بالتشكيل لا يعني بأي حال من الأحوال النجاح في المهمة ، فقد سبق وجرى تكليفه، لكن أفيغدور ليبرمان بما يملكه حزبه “يسرائيل بيتينو” من مقاعد رفض المشاركة معه، ما فتح الباب لانتخابات مبكرة جرت في 17 أيلول الماضي. ويميل ليبرمان نحو نتنياهو في المسائل الأمنية، ويبتعد عنه في المسائل الدينية. وعليه، ففي حال لم يتمكن نتنياهو من التشكيل في غضون أربعة أسابيع، ولم يستطع بني غانتس الحصول على الأكثرية هو الآخر، أن تشهد اسرائيل انتخابات ثالثة في غضون عامين تقريباً. خصوصاً مع رفض ليبرمان تسمية نتنياهو أو غانتس أمام رئيس الدولة. ما يعني العودة إلى المربع الأول، وإنهاء الحقبة النتنياهوية والتي قارب عمرها حوالي السنوات العشر، وهو ما لم يحصل عليه ” ملوك اسرائيل المؤسسين”. 

وأوصى لصالح نتنياهو “الليكود” و”إلى اليمين” و”شاس” و”يهدوت هتوراه”، بينما أوصى لصالح غانتس حزب “أزرق أبيض” وقسم من القائمة العربية المشتركة و”المعسكر الديموقراطي” وتحالف “العمل – غيشر”. فيما رفض “التجمع الديموقراطي” التابع للقائمة المشتركة، وحزب “إسرائيل بيتنو” بقيادة أفيغدور ليبرمان، التصويت لأي مرشح.

والواضح من الاصطفاقات مسسبوقة بالنتائج، أن أياً من الفريقين لم يحصل على عدد المقاعد الكافية لتشكيل حكومة يرأسها. ينطبق الوضع على كل من نتنياهو وغانتس، مع فارق نجاح الأول في تأييد بعض الأحزاب الصغيرة ما ضمن له التكليف دون ضمانات التشكيل المطلوبة. ما دفع العديد من المحللين إلى التنبوء بنهاية عهده.

وكانت نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي جرت في 17 أيلول/ سبتمبر 2019 قد أسفرت عما يشبه التعادل تقريبًا في عدد المقاعد التي حصل عليها الحزبان الكبيران؛ الليكود برئاسة رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو و”كاحول لفان” (أبيض أزرق) برئاسة رئيس الأركان السابق الجنرال بني غانتس. وقد تميزت الانتخابات المذكورة بمناخات حادة بين القوى اليمينية المتنافسة سواء أكانت علمانية أو دينية وصلت حدود الاتهامات المتبادلة، ونزع الصلاحية عن عودة نتنياهو إلى الحكم بعد الاتهامات الموجهة له. وشهدت تحالفاتٍ واصطفافات جديدة، أبرزها فشل ثلاثة أحزاب يمينية متطرّفة في اجتياز عتبة الحسم، ما أفقدها نحو سبعة مقاعد في الكنيست. مع أن نتنياهو بذل جهوداً كبيرة لإعادة تنظيم معسكر اليمين المتطرّف، فأبرم اتفاقًا بين الليكود وحزب “كلنا” بقيادة موشيه كحلون. ومع حزب “زيهوت” (هوية) بقيادة موشيه فيجلين، قضى بانسحاب الأخير والتصويت لحزب الليكود، مقابل وعد لفيجلين أن يعيّنه وزيرًا في حكومته.

أما حزب “أزرق أبيض”  فقد تراجع قليلاً بمقعدين. في حين حصل حزب “شاس” الديني الحريدي على تسعة مقاعد بدلًا من ثمانية في الانتخابات السابقة. وزاد كذلك حزب “يهدوت هتوراه” الديني الحريدي من 7 إلى ثمانية.

أما بالنسبة إلى أحزاب اليمين المتطرّف والفاشي، فقد شكلت أحزاب “البيت اليهودي” و”الوحدة الوطنية” و”اليمين الجديد”، قائمة انتخابية موحدة حملت اسم “إلى اليمين”، وحصلت على سبعة مقاعد بزيادة مقعدين عما حصلت عليه سابقاً.

وحصل حزب “إسرائيل بيتنو” الذي يقوده ليبرمان على ثمانية مقاعد مقابل خمسة سابقاً. أما حزب العمل الذي رفض رئيسه، عمير بيرتس، تشكيل قائمة مشتركة مع ميرتس، وعودة إيهود باراك إلى صفوفه القيادية فقد أبرم اتفاقًا مع حزب غيشر، بقيادة أورلي ليفي أبو كسيس ما جعله يحتفظ بالمقاعد الستة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة التي خاضها من دون تحالفات.

وحصلت عضو الكنيست ستاف شفير التي انشقت عن حزب العمل، وأسست قائمة “المعسكر الديمقراطي” على خمسة مقاعد في هذه الانتخابات. أما الأحزاب العربية فقد نجحت في أعادة تشكيل القائمة المشتركة، وشملت كلًا من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي يقودها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية، والحركة العربية للتغيير، وحصلت على 13مقعدًا، في حين حصلت في الانتخابات السابقة على عشرة مقاعد.

على أي حال، الواضح أن المشهد السياسي في إسرائيل دخل في حالة من الغموض، في ضوء المخاطر المحيقة بنتنياهو لتشكيل الحكومة، في حين أن فرص غانتس في حال فشله لا تبدو أفضل حالاً. ومن دون الدخول في تكهنات ستكون الأيام المقبلة كفيلة بكشف النقاب عنها، يمكن القول إن المعركة دارت بين يمين متطرّف وتحالف قومي – ديني من جهة، ويمين علماني عسكرتاري منجهة ثانية.

[author title=”زهير عماد” image=”http://”]كاتب لبناني [/author]