محسن إبراهيم

ابو خالد واحتضان نضال الشعب الكردي ضد استبداد الأنظمة

صلاح بدرالدين*

على عتبة الذكرى الأولى لرحيل الشخصية الوطنية اللبنانية المرموقة، الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي، الرفيق والصديق محسن إبراهيم، يطيب لي العودة عقودا الى الوراء، وتحديداً عندما ساقنا القدر لنستقر بداية عقد السبعينيات (1972) في العاصمة اللبنانية – بيروت، في مرحلة تضييق الخناق على الوطنيين المعارضين لنظام الدكتاتور حافظ الأسد .

قبل ذلك ترددت عدة مرات (عبر طرق غير نظامية) في أوقات محددة على هذا البلد المعطاء، وعاصمته التي كانت أبوابها مفتوحة لمعارضي أنظمة التخلف والاستبداد في المنطقة، بمهمات سياسية للاشراف على منظمة حزبنا (البارتي اليسارري – الاتحاد الشعبي الكردي – سابقاً)، والتواصل مع القوى والتنظيمات والأحزاب التقدمية والديموقراطية .

  كنا التيار السياسي الكردي السوري الأول الذي توجه نحو العمق العربي لبناء الجسور والعلاقات النضالية مع قوى التحرر والتقدم العربي وفي المقدمة الفلسطينية واللبنانية في الساحة اللبنانية. وبسبب نهجنا اليساري القومي الديموقراطي، توجهنا بادئ ذي بدئ نحو الشيوعيين واليساريين ، والاشتراكيين، وبنينا علاقات مبدئية وتنسيق نضال مشترك مع ـ منظمة العمل الشيوعي ـ والحزب الشيوعي، والحزب التقدمي الاشتراكي، (إضافة إلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية)، واستقبلنا مسؤولو هذه الأحزاب برحابة صدر، وأبدوا استعدادهم لتقديم كل وسائل الدعم السياسي. وتفهموا القضية الكردية ومظلومية الكرد السوريين، وأيدوا الحقوق الكردية المشروعة، وفتحوا لنا وسائل اعلامهم لننشر فيها ما نشاء من لقاءات وبيانات وتصريحات. كما أصبحنا صلة وصل بين بعضهم وبين مختلف الأحزاب الكردية في تركيا والعراق وايران، في لقاءات للتعارف، والنضال المشترك .

  التقيت للمرة الأولى بالراحل محسن إبراهيم عام ١٩٧٣ ليبلغنا (وكان معي أحد رفاق تنظيمنا بلبنان) وبصفته أمين سر الحركة الوطنية اللبنانية، عن قرارالحركة باعتبار منظمة حزبنا في لبنان في عداد مؤسسي الحركة الوطنية. ومن حقها المشاركة المتساوية مع الأطراف الأخرى في جميع مؤسساتها: السياسية، والتنظيمية، والعسكرية، والأمنية، بما في ذلك عضوية المجلس المركزي. فتوجهت إليه بالقول: أيها الرفيق العزيز أبا خالد في الوقت الذي نبدي اعتزازنا الكامل بهذا الشرف الكبير دعني أعلن امامكم أنه وللمرة الأولى في تاريخ الحركة الكردية وكل الحركة السياسية في الشرق الأوسط، يجد طرف سياسي كردي موقعه التحالفي الحر من دون شروط، بين قوى عربية مناضلة من أجل تحقيق أهداف مشتركة. وسيسجل التاريخ هذا الحدث الكبير. والفضل في ذلك يعود الى النهج الديموقراطي الذي تتبعونه أنتم والرئيس كمال جنبلاط، وأجابني: نحن نتفهم معاناة شعبكم ونقف مع حق شعبكم بتقرير المصير، ولن تُحل قضيتكم الا بالنضال العربي الكردي المشترك، وتحقيق الديموقراطية، وإزالة الأنظمة المستبدة والشوفينية. ونحن سنفتخر أيضاً بهذه التجربة الرائدة، وبوجود رفاق مناضلين كرد معنا كتجسيد لصداقة الشعبين وتلاحمهما امام العدو المشترك .

  الراحل وحسب معرفتي به كان مفكراً قومياً ديموقراطياً يسارياً كبيراً، وادارياً ناجحاً في تنظيم الحركة الوطنية اللبنانية. وكان مع الشهيد كمال جنبلاط ثنائياً ناجحاً استقطب مختلف التيارات والاطياف والتوجهات ضمن تحالف الحركة الوطنية اللبنانية، من يساريين ، وقوميين، وبعثيين، وناصريين. وضمت في بدايات تأسيسها مجموعات ذات صبغة مذهبية مثل حركة امل. وكانت تجربة مهمة في مرحلة تاريخية معينة من الحياة السياسية بلبنان بتشعباتها العربية والإقليمية والدولية. وهي ملك للوطنيين اللبنانيين في كل جوانبها القابلة للنقد والتقييم .

قبل اللقاء مع الراحل محسن إبراهيم كنا قد تواصلنا مع قيادة المنظمة ونسقنا معها العلاقات، وتحاورنا بالعمق مع  نخبة من رفاقه المناضلين المثقفين: فواز طرابلسي، والراحلون: نصير الاسعد، حكمت العيد، وجوزيف سماحة، ومع مناضلين واعلاميين بارزين آخرين.

   حركة القوميين العرب التي كان الراحل ضمن قياداتها تمددت في معظم البلدان العربية، وظهر فيها مناضلون لعبوا أدواراً بارزة في المشهد السياسي بالمنطقة. انحازت أقسام منها نحو الفكر الماركسي اليساري. فعلى الصعيد الفلسطيني ظهرت الجبهتان الشعبية والديموقراطية، وفي لبنان قامت ـ منظمة العمل الشيوعي – بقيادة الراحل محسن إبراهيم، وفي الخليج برز فرع الحركة في الكويت بزعامة الدكتور أحمد الخطيب. واتخذ مختلف هذه الأطراف في ساحاتها مواقف متقدمة ورائدة حول العملية الثورية، كما انتهجوا سياسات التضامن والصداقة مع الكرد وقضيتهم القومية وحقوقهم المشروعة. بعد عام  ١٩٨٣ واحتلال اسرائيل لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت وخروجنا، التقينا مرات عديدة في تونس حيث قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومقر القائد الراحل ياسر عرفات، وكنت على تواصل مع الأصدقاء الفلسطينيين كتجسيد للعلاقات الكردية الفلسطينية، التي لم تنقطع رغم تتالي الاحداث المؤلمة ما بعد مرحلة لبنان. ووجدت الرفيق محسن محتفظاً بوفائه للقضية الفلسطينية، ومثابراً على تقديم الدعم والنصح لرفاقه في القيادة الفلسطينية، وكان له احترام مميز لدىها .

  بعيداً عن الجوانب السياسية الرسمية وإلى جانب الشخصية الكاريزمية، كان الراحل يتمتع بروح ـ النكتة، والمداعبة الجميلة مع محاوريه، أحتفظ بالكثير منها وأورد بهذه المناسبة واحدة منها : كنا الاثنان من المدعويين لحضور ( المجلس الوطني الفلسطيني ) باالجزائر عام ١٩٨٨، وكنا سوية وتأخرنا دقائق، وبعد دخول القاعة لم نجد أماكن للجلوس، وبقينا وقوفاً إلى أن لاحظنا القادة الجالسون في الصف الأول ثم هرع الينا: أبو عمار، وأبو اياد، وجورج حبش، لنقلنا الى صفهم فتوجه إليهم الراحل محسن إبراهيم بالقول: ” يا …..عطيناكم كل لبنان ولا نجد بينكم كرسياً  لنجلس عليه مش معقول “؟!.

  كل الوفاء للذكرى السنوية الأولى لغياب الرفيق والصديق العزيز محسن إبراهيم والتحية لرفاق دربه، ومحبيه في لبنان وكل مكان.

*كاتب وسياسي سوري

Leave a Comment