سياسة صحف وآراء

   إملاءات أميركية-إسرائيلية على إيران ولبنان: ماذا سيفعل “الحزب”؟

   * منير الربيع

حتى الآن، يرفض حزب الله التسليم بنتائج الحرب وشروط وقف إطلاق النار.

مرحلة جديدة من الضغوط ضد إيران ومحورها، افتتحها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال زيارته إلى إسرائيل، والمؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اجتمع الرجلان على كلمات مفتاحية، بشأن إيران، سوريا، حزب الله وحركة حماس في غزة. ما أشير إليه بوضوح هو التكامل في النظرة الأميركية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة في المنطقة، عبر منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وأن الشعب الإيراني هو ضحية هذا النظام وفق ما قال روبيو، بينما أكد نتنياهو أن النظام الإيراني سيتهاوى كما تهاوى حزب الله. كذلك أجمع الطرفان على رفض أي حكم لحماس في غزة، واستخدم نتنياهو كلمة “الجحيم” التي كان قد استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام، بحال لم يتم إطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة. في سوريا اجتمع الطرفان على مراقبة الوضع والتطورات ما بعد سقوط الأسد، وسط تركيز على توفير أمن إسرائيل من خلال عدم وجود سلطة ضعيفة تسمح بانطلاق مجموعات مسلحة من أراضيها لتنفيذ عمليات عسكرية، وطبعاً لمنع تمرير السلاح إلى حزب الله. لبنان نال حصته بوضوح، فرئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث للمرّة الأولى منذ وقف إطلاق النار عن “نزع سلاح حزب الله بالكامل”، ليلاقيه الوزير الأميركي بالقول: “رؤيتنا أن دولة قوية في لبنان بإمكانها نزع سلاح حزب الله”.

موقف مبرم

إذاً الموقف الأميركي الإسرائيلي أعلن بوضوح، من لبنان إلى إيران، لا سيما أن طهران وبعد ما جرى في فلسطين، وسقوط نظام الأسد وتحييد العراق لنفسه، تجد نفسها أمام تحدّي خسارة استثمارها الأكبر في المنطقة، وهو حزب الله والساحة اللبنانية.
يعلم الإيرانيون جيداً أن خسارتهم لساحة لبنان ستكون ذات انعكاسات كبيرة جداً على الداخل الإيراني، وعلى بنية النظام بالتحديد، الذي اعتبر الوزير الأميركي أن الشعب الإيراني هو ضحية لهذا النظام.
ما قاله المسؤولان الأميركي والإسرائيلي، هو أشبه بموقف مبرم يُراد لكل القوى الإقليمية والدولية أن تلتزم به، ويُراد للداخل اللبناني أن يتعاطى معه بجدية، على قاعدة القرار الواجب تنفيذه وغير الخاضع للنقاش، لا سيما عندما يلجأ هؤلاء إلى تمرير رسائل واضحة نقلاً عن إدارة ترامب بأنه لا مجال للتمييع أو المزاح، وأن اتفاق وقف النار الذي حظي بموافقة ترامب قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ينص على ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولية اللبنانية، ولا نقاش في مسألة احتفاظ الحزب بسلاحه في شمال نهر الليطاني وفق ما يفسّر الحزب، أو وفق ما يسعى رئيس مجلس النواب إلى جعل هذا الملف في عهدة اللبنانيين وطاولة الحوار. الكلام الذي أُعلن إسرائيلياً وأميركياً هو عبارة عن قرار دولي يتم إبلاغ اللبنانيين به، مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة.

نزع السلاح

عملياً، فُرض الشرط الأميركي الإسرائيلي على لبنان بشكل علني، وهو نزع سلاح حزب الله بالإضافة إلى قطع طرق إمداده العسكري والمالي، على أن تنطلق الدولة اللبنانية في هذا المسار، وسط محاولات لجدولته إلى مرحلتين، الأولى تستمر لأشهر وترتبط بسحب السلاح من جنوب نهر الليطاني، والثانية على مدى أطول يتعلق بكيفية إيجاد الحل الملائم لنزع السلاح من شمال الليطاني، وهو الأمر الذي يسميه اللبنانيون “استراتيجية دفاعية”.
تاريخياً، لطالما تعاطى حزب الله ومن خلفه إيران وفق استراتيجية “القضم البطيء”. الآن هناك محاولة من قبل الدولة اللبنانية لاعتماد هذه الإستراتيجية، علماً أنها تواجه الضغوط الدولية التي تطالب بتنفيذ سريع. وكان من أبرز مؤشرات الضغوط هو التهديد باستهداف مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، في حال السماح لطائرة إيرانية بالهبوط، تحت عنوان أنها تحوي أمولاً لحزب الله.
ما يظهره الإسرائيليون بدعم أميركي هو أنهم يريدون إلقاء المهمة على الدولة اللبنانية، والتي بحال لم تقم بذلك، فإن الإسرائيليين سيأخذون ذلك على عاتقهم، من خلال استمرار عمليات الاستهداف والاغتيال والقصف. وهو ما يسميه الإسرائيليون إنهاء التهديدات، التعبير نفسه ينطبق على ما قاله نتنياهو بشأن إيران “سننهي المهمة ضد إيران بدعم أميركي”.

رهانات حزب الله

لم يعد بالإمكان فصل آلية التعاطي الأميركية الإسرائيلية مع لبنان عن التعاطي مع إيران، فإما أن يتحقق ما يريدانه بالمعنى السياسي والديبلوماسي، وبتقديم التنازلات المطلوبة، وإما أن يُدفعا إليه بالقوة العسكرية. ينقسم لبنان كما إيران حول المقاربة التي سيتم اختيارها. لكن الأكيد أن هناك موازين قوى تغيرت بشكل جذري، في مقابل رفض حزب الله التسليم بما جرى أو التنازل. وهو لذلك أطلق إشارات متعددة، من خلال الأحداث التي شهدها طريق المطار، رفضاً لقطع طريق التواصل الجوي الإيراني اللبناني، بعدما قطعت كل الطرق الأخرى. قد يراهن الحزب على انتظارات، أو متغيرات للعودة والانقضاض والانقلاب. وفي حال عدم توفر الظروف التي يريدها، فحتماً ستبقى المشادات قابلة للتطور ما يرجح وقوع المزيد من الصدامات في الداخل، أو التدخل من الخارج لضرب الحزب أكثر وإضعافه مع ما يحمله ذلك من احتمالات إغراق البلاد وقواها بانشغالات داخلية وتوترات لا يكون لها أي تأثير على إسرائيل، لكنها أيضاً تضع الداخل أمام صراع بين حدّين، حدّ قدرة الدولة على فرض سطوتها والسيطرة، وحدّ ابتعاد الحزب عن الدولة والإصرار على بناء قوته وقدراته الذاتية، مع ما يمكن لذلك أن ينتجه من صراعات دائمة ومستمرة.

  * نشرت بتاريخ 17 شباط 2025

Leave a Comment