*حيفا– نايف زيداني
القدس المحتلة– محمد عبد ربه
قررت ما تُسمى “سلطة أراضي إسرائيل”، مصادرة أراضي مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في القدس المحتلة، وإقامة مشاريع سكنية للإسرائيليين في مكانها، تشمل 1440 وحدة سكنية.
واعتبرت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، التي أوردت الخبر اليوم الخميس، أن “هذه أول خطوة كبيرة ضد وكالة اللاجئين”، كما تبنّت الصحيفة السردية الإسرائيلية إزاء المنظمة، زاعمة أن هذه الخطوة تأتي “في وقت ما زالت تتكشف فيه أبعاد تعاون “أونروا” وموظفيها في مجزرة غلاف غزة (في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023)، وتقديم المساعدة في جرائم القتل والاختطاف وغيرها”، وهي المزاعم التي تستخدمها إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنّها منذ عام في قطاع غزة، للحدّ من وصول المساعدات إلى سكان القطاع وتجويعهم، بالإضافة إلى إبادتهم.
وبحسب المعلومات التي نشرتها سلطة الأراضي للجمهور اليوم، فإن كل المساحة التابعة لـ”أونروا” في منطقة الشيخ جراح في القدس، ستتحول إلى 1440 وحدة سكنية، فيما ذكرت الصحيفة العبرية أن المشروع بات في مراحل عملية من الإعداد. وعلى مدار العام الأخير، تظاهرت عائلات لمحتجزين إسرائيليين في قطاع غزة أو لجنود قتلى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمام مقر “أونروا”، إلى جانب منظمات مثل “إم ترتسو” (منظمة صهيونية يمينية متطرفة) وغيرها، للمطالبة بإغلاق مقر المنظمة التي تعمل في القدس المحتلة.
وأثنى الرائد في الاحتياط، شاي روزنغراتين، رئيس “أم ترتسو”، في حديث مع “يسرائيل هيوم”، بسرعة عمل “سلطة أراضي إسرائيل”، مضيفاً: “يجب معاقبة موظفي “أونروا” الذين شاركوا في المجزرة بأشد العقوبات، وترحيل الآخرين. ومن الجيد أن يضّم المجمع (السكني) الجديد، متحفاً تذكارياً للمجزرة الرهيبة في سمحات توراه (عيد يهودي تزامن مع هجوم 7 أكتوبر). نشكر الآلاف من نشطائنا الذين طالبوا بطرد الأونروا من القدس!”.
ووافقت لجنة الشؤون الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي، هذا الأسبوع، على مشروع قانون يقضي بقطع العلاقات بين إسرائيل و”أونروا”، وسيطرح للتصويت عليه في الهيئة العامة للكنيست. ومن بين الأمور التي ينص عليها مشروع القانون، إلغاء الاتفاقية الوحيدة (من عام 1967) التي تسمح لوكالة أونروا بالعمل في إسرائيل، كما يمنع القانون تواصل أي مسؤول إسرائيلي مع موظفي الوكالة، وكذلك لن يُمنح الموظفون تأشيرات دبلوماسية ولا مزايا اقتصادية. كما ينص القانون على أن أي إجراء جنائي، سرى أو سيسري على موظفين في “أونروا”، في ما يتعلق بالجرائم التي تزعم إسرائيل أنهم ارتكبوها في 7 أكتوبر، أو في ما يتعلق بانتهاكهم قانون مكافحة الإرهاب، سيظل كما هو.
ويأتي هذا في وقت حذّر أعضاء مجلس الأمن، أمس الأربعاء، إسرائيل من المضي قدماً في إقرار تشريعات تكبح نشاط وكالة أونروا، بعد أن وافقت لجنة في الكنيست الإسرائيلي على مشروعي قانونين يهدفان إلى “إنهاء أنشطة وكالة أونروا ومزاياها في إسرائيل”، في خطوة سارع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى التنديد بها.
وحذّر رئيس الوكالة فيليب لازاريني مجلس الأمن من أنّ “كبار المسؤولين الإسرائيليين وصفوا تدمير أونروا بأنه هدف حرب”، مشيراً إلى أنّ 226 من موظفي أونروا قُتلوا خلال 12 شهراً. وقال إنّ “التشريع الخاص بإنهاء عملياتنا أصبح جاهزاً للمصادقة النهائية من قبل الكنيست الإسرائيلي”. وأضاف أنّ إسرائيل “تسعى إلى حظر وجود أونروا وعملياتها في الأراضي الإسرائيلية وإلغاء امتيازاتها وحصاناتها، في انتهاك للقانون الدولي”. وأكد أنّه “إذا تم إقرار مشروعي القانونين، فإن العواقب ستكون وخيمة. من الناحية العملية، قد تتفكّك الاستجابة الإنسانية بأكملها (…) التي تعتمد على البنية التحتية لأونروا في غزة”.
تفكجي: وجود “أونروا” يعني وجود القضية الفلسطينية
تعقيباً على قرار المصادرة، قال الباحث المختص في شؤون القدس والاستيطان، خليل تفكجي، لـ”العربي الجديد” إن “الأرض المستهدفة كانت مسجلة باسم خزينة المملكة الأردنية الهاشمية أملاك دولة، وفي الوقت ذاته كانت مركزاً للشرطة في فترة الانتداب البريطاني”. بالتالي فإنه لا يمكن، وفق تفكجي، الحديث عن قرار مصادرة، “بل إن هذه الخطوة جزء من عقاب الشعب الفلسطيني باعتبار الأونروا جزءاً من القضية الفلسطينية، ووجودها يعني وجود القضية الفلسطينية”.
وقال إن الاحتلال يحاول القضاء على أي دور للوكالة باعتبار أنها تأسست لغوث اللاجئين الفلسطينيين، مضيفاً “في اعتقادي هناك هجمة كبيرة اليوم على الأونروا لشطب القضية الفلسطينية بشكل كامل وما يدعمها خاصة بعد طوفان الأقصى، واتهام حتى العاملين فيها بأنهم إرهابيون”. وكانت سلطات الاحتلال قد أعلنت في شهر فبراير/ شباط من العام الحالي اعتزامها تنفيذ مشروع استيطاني على أراض تتخذ منها الأونروا مقرات لها، خاصة في معهد التدريب المهني قلنديا، وفق خليل تفكجي.
وأشار تفكجي إلى أن هذا المشروع الاستيطاني يهدف إلى السيطرة على نحو 110 دونمات أقيم معهد قلنديا على الجزء الأكبر منها في مطلع الستينيات، بموجب عقد إيجار موقّع بين الحكومة الأردنية و”الأونروا”، ويشابه إلى حد كبير اتفاقية أخرى وقّعتها وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية مع الوكالة لإنشاء مساكن للاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من أراضيهم في عام 1948، مقابل تخلي هؤلاء الفلسطينيين عن بطاقات التموين الصادرة عن الوكالة بموجب قانون “حارس أملاك العدو” الأردني، والذي طبّقته الحكومة الأردنية على الأراضي التي كانت مملوكة ليهود عقب النكبة، وتغير اسمه بعد “النكسة” في عام 1967، من الاحتلال إلى قانون “حارس أملاك الغائبين”، وبموجبه وضعت سلطات الاحتلال يدها على الكثير من أملاك الفلسطينيين التي تركها أصحابها.
واشترت الحكومة الأردنية أرض معهد قلنديا من أصحابها اليهود بنحو 7 آلاف دينار، ثم وقّعت لاحقاً عقد إيجار مع وكالة “الأونروا” لبناء معهد للتدريب المهني على الأرض، لكن الاحتلال عاد ليطالب بتلك الأرض، وإخلاء الأرض المقام عليها المعهد بزعم بناء مراكز تعليمية وحدائق عليها، كما سلم إخطارات هدم لعشرات المنازل في محيط المعهد.
أبو عواد: الاحتلال ينفذ التفريغ الناعم
من جهته، يرى المحلل السياسي والإعلامي، عماد أبو عواد، أن “تطبيق هذا القرار بات أكثر سهولة، لسبب بسيط وهو أن سلطات الاحتلال تتجاوز القانون وتسن القانون الذي تريد مهما كان ظالماً، ووفق أهواء الاستيطان، وبالتالي أنا أرى أن تطبيقه سهل، وتحديداً تجاه الأونروا التي هي بالنسبة للحكومة الإسرائيلية رمز وعلامة اللجوء، وبالتالي يجب القضاء عليها”.
وقال أبو عواد في تصريح لـ”العربي الجديد”: “في اعتقادي تكمن خطورة هذا القرار في أن كثيراً من الفلسطينيين سيفقدون المعونات التي تقدمها الأونروا، أما الأمر الثاني فإن هذه الخطوة ستؤسس لمرحلة جديدة ضد مناطق أخرى وقضم مزيد من الأراضي والمنشآت”.
وأضاف “الأهم برأيي أنها تؤسس للقضاء على القضية الفلسطينية، وتحديداً في الضفة الغربية، في ظل الضغط بشكل مهول وكبير على الفلسطينيين، من خلال استهداف مزيد من المقرات، كما يحصل في غزة من خلال إغلاقها وتجريم عملها من قبل الآلة الإعلامية الإسرائيلية وشيطنة الأونروا”.
وتابع أبو عواد “وبالتالي مصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين ما يعني أن 70% من الأراضي في الضفة الغربية سيجري الاستيلاء عليها ما سيؤسس للمرحلة المقبلة بمزيد من التضييق على الأونروا واللاجئين والمخيمات، وصولاً إلى ما يعرف بالتفريغ الناعم للضفة الغربية وتحقيق حلم (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل) سموتريتش بتقليص عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى النصف”.
*نشرت في العربي الجديد بتاريخ 10 تشرين الأول /أكتوبر 2024
Leave a Comment