*أدهم مناصرة
ثمة أمر بدا متغيراً في معالجات الإعلام العبري للقتال الجاري بين إسرائيل و”حزب الله” على جبهة جنوب لبنان منذ نحو خمسة أشهر، وهو أن هذا الإعلام يهيئ أكثر مما مضى لتصعيد المواجهة، بتكليف من المؤسسة الأمنية والسياسية، تحت عنوان “ما يجري على جبهة الشمال غير مقبول، يجب تغييره ولو بالحرب”.
ويؤدي إعلام إسرائيل دور “المُهيّء” للحرب، تارة بنشر تقارير عن نية تل أبيب تنفيذ اجتياحها البري لجنوب لبنان في الربيع المقبل، وتارة أخرى في الصيف، بغضّ النظر عن جدية الرغبة، وما إذا كان الهدف تحضيرَ الرأي العام الإسرائيلي لها، أو مجرد حرب نفسية تُمارس على حزب الله والحكومة اللبنانية، وغيرهما من الأطراف في سبيل الضغط على الحزب لإجباره على التراجع إلى ما بعد نهر الليطاني.
“حرب مُصغّرة“
واللافت أيضاً أن وسائل إعلام عبرية ومحللين إسرائيليين أصبحوا يصفون المواجهة مع “حزب الله” الآن، بـ”حرب مصغرة”، أي أكثر من تصعيد وأقل من حرب شاملة، وقد أبرز تقرير نشرة تلفزيون “مكان” المسائية هذا التوصيف، بقوله إن “الحرب المصغرة” بين إسرائيل والحزب في تنامٍ مستمر؛ وأن قواعد الاشتباك بينهما على المحك، و”ربما تنكسر هذه القواعد مع انزلاق أحد الطرفين إلى تصعيد أوسع”.
في حين، ردّ خبير الأمن الإسرائيلي روني شاكيد في مداخلة على التلفزيون العبري الرسمي على سؤال المذيع بشأن ما تعنيه التسريبات الأميركية عن اجتياح إسرائيلي وشيك للبنان، بالقول إنه من ناحية استراتيجية، فإن “المفتاح” بيد إيران، وأن الأخيرة منعت حزب الله حتى اللحظة من الذهاب إلى الحرب الواسعة. وأضاف شاكيد أن ما يجري على حدود لبنان بمثابة حرب، مؤكداً أنهم في إسرائيل لا يريدون استخدام هذا المصطلح، لكنها “حرب جدية”، من ناحية استخدام الحزب “أسلحة خطيرة جداً، رغم عدم استعماله كل ما في جعبته من أسلحة”، وأيضاً إجلاء نحو 68 ألف مستوطن من سكان المنطقة الشمالية.
وطرح شاكيد سؤالاً: “ماذا لو أوقفنا الحرب؟ ماذا سيحصل بعد 3 سنوات؟ هجوم “مفاجئ” من حزب الله؟” .. ثم يتابع شاكيد: “هناك إجماع إسرائيلي على أنه بعد وقف إطلاق النار في غزة، يجب شن حرب على حزب الله، وكما قيل سابقاً: لا بد من حسم الأمر؛ كي نعيش 40 سنة من دون حرب”.
“إجماع” إسرائيلي .. رغم الغموض
مع ذلك، حاول الإعلام العبري أن يُظهر المجتمع الإسرائيلي “جاهزاً نفسياً” للحرب الواسعة مع حزب الله لدرجة “الإجماع”، وكأنه ليس بحاجة إلى تهيئة لذلك، عبر نشره أحدث استطلاع للرأي، حيث أظهر أن أكثر من 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الحرب على لبنان بعد رفح؛ بحجة “تحييد خطر حزب الله”.
أما تقرير “مكان” فقد استعرض تقديرات استخباراتية أميركية بخصوص اجتياح إسرائيلي محتمل لجنوب لبنان خلال الأشهر المقبلة، وحراك البيت الأبيض للحل الدبلوماسي، بموازاة نشر مقطع صوتي لوزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، يقول فيه: “لبنان يرغب باتفاقية حدود برية، كاتفاقية الحدود البحرية، بحيث تعيد إسرائيل جميع الأراضي اللبنانية، وعندها يمكن حل مشكلة إسرائيل وحزب الله جزئيا في الوقت الحاضر”.
ولإضفاء “حتمية أكبر” لسيناريو الاجتياح البري لجنوب لبنان، روج الإعلام العبري لفكرة أن إيران نفسها تدرك أن هدف إسرائيل القادم بعد رفح هو جنوبي لبنان، مما دفع طهران لوضع شرط على حزب الله “بتنفيذ هجومه الواسع على إسرائيل، فقط، بعد التأكد من عملية رفح”، وفق المزاعم الإسرائيلية.
بدوره، انتقد مقال نشرته صحيفة “هآرتس” القيادة الإسرائيلية، لعدم إخبارها الإسرائيليين “كيف ستكون الحرب مع حزب الله؟.. الهجمات المُدمّرة للبنية التحتية المدنية، وامتداد الحرب الإقليمية، وغياب الدعم الأميركي للحرب”، واستدرك المقال، بالقول إنها “هذه هي الحقيقة المروعة” إذا فُتحت جبهة ثانية مع حزب الله.
تكتيكات حزب الله الجديدة
وضمن مواكبة وتيرة المعركة الحالية، سلطت تقارير تلفزيونية عبرية الضوء على تكتيك عسكري بدأ حزب الله باتباعه في الأيام الأخيرة، يتمثل بتكثيف الرشقات الصاروخية في آن واحد باتجاه مكان محدد، ويبدو أن سبب ذلك هو أن الحزب يريد ضمان إفلات أكبر قدر من صواريخه الهجومية من منظومة الاعتراض الإسرائيلي، وبالتالي وصول صواريخه إلى أهدافها، وإحداث التدمير المطلوب.
كما تحدث موقع “ألما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية عن عدد من تكتيكات حزب الله، ومنها ما يتعلق بالطائرات المسيّرة، إذ قال إن أحد أهداف حزب الله من إطلاق هذه المُسيّرات، ليس دائماً الهجوم، وإنما اختبار استجابات أنظمة الإنذار والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، بحيث تُطلق على طول مسارات محددة وعلى ارتفاعات معينة لاختبار الاستجابة، وبالتالي توليد رؤى تشغيلية تمكن من هجمات ناجحة في المرات القادمة.
وبينما يُهمش الإعلام الإسرائيلي بعض أخبار الجبهة الشمالية، يستعرض كل مساء حصيلة الأهداف اليومية، والمباني العسكرية التابعة لحزب الله، التي هُدمت بفعل الهجمات الإسرائيلية
هدف اسرائيلي وحيد.. ومزدوج
لكن الإعلام العبري نشر أيضاً، وبشكل نادر، عدد المنازل الإسرائيلية التي هُدمت جراء صواريخ حزب الله في شهر شباط/فبراير وحده، بواقع 570 بيتاً، نقلاً عن معطيات أفصحت عنها جمعية “لوبي 701″ التي أُنشئت في المنطقة الشمالية بعد هجوم 7 أكتوبر.
وهنا، علق مذيع التلفزيون الإسرائيلي على رقم البيوت الإسرائيلية المدمرة، إلى جانب إجلاء عشرات الآلاف من المنطقة الشمالية منذ بدء الأحداث، بـ”الأمر المقلق”. وردّ عليه المراسل الإسرائيلي الذي يغطي أحداث الجبهة الشمالية، بالقول إن ما يهمّ الجيش هو تحقيق هدف واحد “مُزدوج”، يكمن بإعادة 68 ألف إسرائيلي إلى منازلهم بأمان وسلام، وأن لا تُهزم قوة إسرائيل هذه المرة، ولا المرات القادمة”.
وهنا نوه التلفزيون العبري الى أنه “سيتم تمديد بقاء الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم بعيدا من المنطقة الشمالية حتى تموز/يوليو المقبل، وهو أمر يوحي بأن تحديد التوقيت يؤشر إلى استعداد الاحتلال لفترة طويلة من المواجهة، واحتمالات الحرب الأوسع”.
والحال أنّ “إجلاء الإسرائيليين” من المنطقة الشمالية المحاذية للبنان، والجنوبية المحاذية لقطاع غزة، بدا موضوعاً جدلياً إسرائيلياً، وقد استُشف ذلك ضمناً حينما نوه محلل إسرائيلي بأن رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو حاول أن يوجه في خطابه الأخير، رسالة تهديد لـ”السكان الإسرائيليين الذين سيرفضون مستقبلاً العودة إلى مساكنهم في الشمال والجنوب”، عبر تلميحه الى أنه سيعطي الأراضي لجنود الاحتياط لبناء منازل لهم عليها.
هآرتس”خطة 7 أكتوبر لحزب الله.. وحماس سرقتها“!
في السياق، نشرت صحف عبرية العديد المقالات عن أن خطر حزب الله على إسرائيل يُعد وجودياً، وقد أجرت “هآرتس” مقابلة مع النائبة السابقة لرئيس مجلس “الأمن القومي” الإسرائيلي أورنا مزراحي، زعمت أن خطة مهاجمة إسرائيل، المعتمدة على عنصر المفاجأة، وتنفيذها المشهدي والمُركّب، كانت في الحقيقة من حزب الله، لكنّ “حماس سرقتها، ونفذتها من أولها إلى آخرها في هجوم أكتوبر”، بحسب ادعاءات المسؤولة الأمنية الإسرائيلية السابقة.
كما أجابت مزراحي على أسئلة “هآرتس”، أبرزها: “لماذا لم تنضم قوة رضوان إلى هجوم 7 أكتوبر؟، ما الفرق بينهم وبين مقاتلي حماس؟”
ولا يُعرف الغاية الإسرائيلية من الحديث الآن عن 7 أكتوبر كخطة لحزب الله أصلاً، لكن لا يُستبعد أنها تندرج في سياق دعاية إسرائيلية لتسخين العالَم وتحضيره لسيناريو الحرب الواسعة على لبنان، بذريعة أنها حتمية لمنع “أكتوبر جديد”.
*نشرت في المدن الالكترونية يوم الأحد 2024/03/03
Leave a Comment