محمد قدوح
بيروت 4 كانون الاول 2023 ـ بيروت الحرية
إرتفع مؤشر اسعار شهر تشرين الاول بالمقارنة مع شهر ايلول بنسبة 17.2%. وقد ساهم في هذا الارتفاع بحسب ادارة الإحصاء المركزي إضافة بند التعليم، وبذلك يرتفع مؤشر الاسعار لغاية شهر تشرين الاول الى 223.7%، وهي نسبة أعلى من النسب المحققة خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي شهدت اضطراباً وارتفاعاً في سعر صرف الدولار، والتي جاءت كما يلي: % عام 2020، 144.22% عام 2021 و162.47% عام 2022.
والملفت أن هذا الارتفاع يحصل بالرغم من الاستقرار النسبي في سعر صرف الدولار، وإنخفاض سعر الصرف منذ الربع الثاني من هذا العام، مما يشير الى وجود عوامل اخرى. من جهتها جمعيات المستوردين والتجار تعيد السبب الى إجراءات وزارة المالية المتعلقة بإحتساب الضريبة على القيمة المضافة والدولار الجمركي على سعر منصة صيرفة. لكن تقريراً صدر عن البنك الدولي، أكد أن هذه الإجراءات لا تبرر هذا الارتفاع. وقد أعاد بعض الخبراء الاقتصاديين هذا الامر الى المفاعيل الناتجة عن قرار وزارة الاقتصاد المتعلق بدولرة الاسعار في السوق المحلية، والذي ادى عملياً الى تثبيت ربح المستورد والتاجر بالدولار، بحيث بات الفارق بين سعر الكلفة وسعر البيع النهائي مقوماً بالدولار، وهو الامر الذي سمح للمستوردين والتجار، في ظل الغياب شبه الكامل للرقابة على الاسعار الى توسيع هامش الربح، وعدم تخفيض الاسعار عند انخفاض سعر صرف الدولار. وقد ساهم عامل آخر في هذا الارتفاع، تمثل في تراجع عدد المستوردين، حيث سجل خروج عدد لا بأس به من المستوردين “الجدد” من السوق بحسب بعض المصادر، بسبب عدم قدرتهم على تحمل كلفة المنافسة في السوق، ما ادى عملياً الى تراجع فرص المنافسة، التي كانت ولا زالت شبه معدومة في السوق اللبناني بسبب إحتكار مجموعة من الشركات لإستيراد المواد الغذائية، والدواء والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد….
وتبقى الإشارة الى أن تجارة التهريب لمختلف المواد والسلع عبر المعابر البرية والبحرية والمطار، لم تساهم في تعزيز فرص المنافسة لكبار المستوردين، مما يعني أنها تباع بسعر السوق وبذلك يحقق المهربون ربحاً إضافياً يعادل قيمة الرسوم والضرائب التي تستوفيها الدولة، أو أنها تراجعت بحيث لم يعد لها تأثير على حركة الاسعار.
هذا الواقع يؤكد المؤكد، وهو ان المواطن اللبناني يدفع كلفة جشع التجار من لقمة عيشه وصحته وتعليم ابنائه، وكل ما يتعلق بحياته، وأن الدولة مستقيلة من واجباتها، ويقتصر دورها على التشريع لمصلحة التجار وتأمين الحماية لمصالحهم، مقابل دفع رشوة للطبقة السياسية، حيث يمكن القول ان دولة الرعاية الاجتماعية باتت من الماضي، واستعاد الرأسمال دولة الشرطي الحامي لمصالحه واستمرار نفوذه. ولم يعد امام اللبنانيين من خيار في مواجهة ارتفاع نسبة الفقر المدقع سوى المواجهة مع هذه السلطة بشقيها: سلطة المستوردين والتجار وسلطة الطبقة السياسية. ومن نافل القول أنه آن الأوان للقوى الديمقراطية والنقابية كي تبادر للتحرك دفاعاً عن لقمة عيش اللبنانيين وصحتهم وتعليمهم، ففي ذلك المدخل للتغيير على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي لا يمكن لهذه القوى انتظار تحرك الاتحاد العمالي الذي بات ومعه منظومة الاتحادات العمالية المنضوية في اطاره والتابعة للقوى الطوائفية المهيمنة، أشبه ما يكونون بمثابة ملاحق عمالية للطبقة المسيطرة. إن انعدام التحرك القاعدي لا يريح السلطة والمستوردين والتجار فقط، بل يريح أيضاً الحركة النقابية المجوفة عن المساهمة بأي شكل من أشكال النضال الشعبي الذي بات يعادل النضال من أجل أساسيات العيش بعدما اصبح الكثير منها بعيد المنال.
Leave a Comment