زهير هواري
بيروت 10 حزيران 2024 ـ بيروت الحرية
بينما تتلاحق الدعوات الدولية إلى عقد اتفاق هدنة تسمح بوقف اطلاق النار في قطاع غزة وتطلق سراح الأسرى والسجناء الإسرائيليين والفلسطينيين، وتفتح المعابر على المساعدات الانسانية الغذائية والطبية والوقود للمواطنين الفلسطينيين المحاصرين منذ أكثر من ثمانية أشهر، عمدت إسرائيل إلى تنفيذ قفزة نوعية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا- واستطراداً الشعب الفلسطيني- عندما وافق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية الأولى على مشروع قانون يصنف وكالة ألاونروا منظمة إرهابية، وهي خطوة لا سابقة لها في العالم منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات التابعة لها، ما أثار عاصفة من التنديد الدولي حول العالم. والمشروع هذا قدمته يوليا ميلينوفسكي، عضوة الكنيست عن حزب “يسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، وقد أيده في القراءة التمهيدية 42 عضوا وعارضه 6 فقط. ومن المقرر أن يعود المشروع مجددا إلى اللجنة المختصة، لقراءة ثانية وثالثة تنتهي بتمريره في نهاية المطاف.
والمشروع الجديد هو نقلة نوعية في مساعي العمل على التخلص من الوكالة الأممية التي تبذلها إسرائيل منذ عقود متلاحقة، التي طالما اتهمتها بأنها “مرتبطة” بحركة حماس، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، هذا العام، بأنها “مخترقة بالكامل من حماس”. ووزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 14 أيار / مايو الماضي، بأنها “ذراع لمنظمة حماس”.
والمؤكد أن سيل الإتهامات الإسرائيلية تهدف إلى التخلص من مؤسسة أممية لعبت، ولا تزال تلعب دورها في صيانة حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم التي رُحلوا قسراً منها في أعقاب قيام إسرائيل عام 1948. وتدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين وتؤمن الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية لما لا يقل عن 5.9 لاجئ في مناطق عملياتها الخمسة: الضفة الغربية بما فيها القدس، قطاع غزة، الأردن، لبنان وسوريا. ومنذ أن فتحت القوات الإسرائيلية نيرانها على القطاع، تضاعفت الاتهامات للوكالة، حتى وصل الامر بنتنياهو في أحد بنود خطته لليوم التالي لقطاع غزة بعد انتهاء الحرب أن ألح على ضرورة اغلاق الوكالة. لكن سبق ذلك اتهام 13 موظفاً من أصل 31 ألف موظف يعملون في مرافق الوكالة بالمشاركة في الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023. ما قاد إلى تشكيل لجنة تحقيق أممية ودولية. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بعد إنجاز اللجنة عملها إن محققي المنظمة الدولية الذين ينظرون في اتهامات إسرائيلية لموظفين في وكالة الأونروا أغلقوا ملف القضية بسبب عدم تقديم إسرائيل لأي أدلة. وتسبب الاتهام في تعليق عدد من الدول مساهمتها في تمويل الوكالة بشكل مفاجئ، بينها الولايات المتحدة، الجهة المانحة الرئيسية، مما هدد عمل الوكالة في غزة، قبل أن تستأنف بعد ذلك عدة دول التمويل في وقت لاحق.
وخلصت مراجعة مستقلة لأداء “الأونروا” إلى أنه “لا بديل” عن الوكالة على صعيد التنمية الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين، مشددة على أن إسرائيل لم تقدم أدلة على مزاعم ارتباط موظفين في الوكالة بحركة “حماس” أو انتمائهم إلى فصائل المقاومة في قطاع غزة. وعلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية على التقرير بالادعاء أنه يفتقر إلى “فحص حقيقي وشامل”.
وأكدت المراجعة التي ترأست لجنتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاترين كولونا، بتكليف من الأمم المتحدة وبمشاركة ثلاثة معاهد أبحاث سويدية ونرويجية، أن “الأونروا كانت تزود إسرائيل بشكل منتظم بقوائم أسماء موظفيها للتدقيق، وبالمقابل لم تبلغ الحكومة الإسرائيلية الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي من موظفيها”.
علاقة الاونروا بالإرهاب؟
ويقضي المقترح الذي يدرسه الكنيست كمشروع أن يسري قانون محاربة الإرهاب الإسرائيلي على الأونروا، وينص على “وقف كافة الاتصالات والعلاقات بين إسرائيل ومواطنيها وبين الأونروا، وإغلاق مكاتب الوكالة في إسرائيل”، إلى جانب تطبيق بنود قانون العقوبات التي تسري على “المنظمات الإرهابية”. ما يعني تدمير مؤسسة أممية، الفلسطينيون اليوم هم بأمس الحاجة إلى تقديماتها في قطاع غزة خصوصاً ومناطق عملياتها عموماً، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصفها بأنها “العمود الفقري لجميع الجهود الإنسانية في غزة”.بينما كان المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، يكتب مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية بعنوان “على إسرائيل وقف حملتها ضد الأونروا”، قائلا “إن المسؤولين الإسرائيليين يعملون على نزع الشرعية عن الأونروا، من خلال تصويرها كمنظمة إرهابية تروج للتطرف، ووصف قادة الأمم المتحدة بأنهم إرهابيون متواطئون مع حماس”. إن “الأونروا هي الجهة الدولية الوحيدة الشاهدة على مأساة اللجوء الفلسطيني”. أن إسرائيل “تعتقد أنه بمنع عمل الأونروا، ستحقق أهدافا سياسية أهم، هي إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين”.
وفي نهاية العام الماضي، كشف تقرير إسرائيلي أن هناك “محاولات من الحكومة في إسرائيل، لإخراج الأونروا من قطاع غزة والقدس”. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية أن تقريرا شاملاً لوزارة الخارجية “بالغ السرية”، ينص على توصيات تطبق على 3 مراحل هي:
– المرحلة الاول تكمن في الكشف عن تعاون مزعوم بين الاونروا وحركة “حماس” المدرجة على قوائم الارهاب الاميركية.
– المرحلة الثانية ” تشمل تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة”.
– المرحلة الثالثة عبارة عن “عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب”..
الضغوط من غزة إلى القدس
وضمن سياق الضغوط أعلن المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني ، أن السلطات الإسرائيلية منعته من الدخول إلى قطاع غزة، للمرة الثانية منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.
وتابع: “لقد قامت إسرائيل بخطوات عديدة لإغلاق ملف اللاجئين، مثل إصدار قانون يسمح بمصادرة كافة أملاك اللاجئين وخصخصتها، بجانب محاولات استهداف الأونروا وإغلاق مكاتبها إبان حكم (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب”. ولم تقتصر الضغوط على القطاع، بل إن المراكز الصحية والإدارية ومدارس الوكالة في القدس تعرضت بدورها لتقييد في دورها ما يشرع الباب على إقفالها.
وقد اتهمت إسرائيل الأونروا بـ”إدامة الصراع” الإسرائيلي الفلسطيني، عبر توسيع وضع اللاجئين ليشمل الملايين من أحفاد الفلسطينيين الذين هربوا أو أُجبروا على الفرار من منازلهم إبان تأسيس إسرائيل عام 1948، وترى أن وصف اللاجئ “يقتصر على اللاجئين الأصليين” كما يحدث مع مجموعات اللجوء حول العالم، حسب تقرير سابق لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وتعتبر مواد التعليم في مدارس الأونروا أنها “تمجد الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل”، وقد كرر نتنياهو انتقاداته للوكالة الأممية، وحملها مسؤولة “إدامة محنة الفلسطينيين بدلا من تخفيفها”، و دعا الأمم المتحدة إلى حلها.
واعتبار الاونروا منظمة إرهابية قاد إلى سلسلة إدانات عربية ودولية وأوروبية قوية من عدة دول حول العالم، لمشروع القانون الإسرائيلي المزمع تمريره. محذرين من “كارثة وشيكة” تهدد مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين ترتبط حياتهم بتقديمات الوكالة.
التدمير ضمن حملات الإبادة
وخلال حملة الإبادة التي شنها الجيش الإسرائيلي على القطاع جرى استهداف العاملين ومراكز وكالة الغوث، والتي تشمل المدارس والمراكز الصحية والاجتماعية ومحطات تحلية المياه والطاقة الكهربائية وغيرها من مرافق الخدمات التي تديرها. فمثلا تبين أنه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من مخيم جباليا تم تدمير جميع مراكز الإيواء. وقالت الوكالة في بيان إن مراكزها في مختلف مناطق قطاع غزة تعرضت إلى نحو 394 هجوماً إسرائيلياً منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وهو أكبر حجم تتعرض له منظمة أممية خلال حرب أو نزاع مسلح في العالم، ما خلف الكثير من الضحايا بين العاملين في الوكالة، والنازحين إلى مراكز الإيواء التابعة لها، والذين كانوا يعتقدون أن علم الأمم المتحدة قد يحميهم من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية.
ووثقت “الاونروا” كل ما أصاب المباني والمدارس والعيادات الصحية والمقار الإدارية والمخازن التابعة لها، مؤكدة أن غالبية الاستهدافات عرضت حياة الأشخاص الموجودين داخل تلك المقار للخطر، وخلفت تدميراً كلياً أو جزئياً، وبعض تلك المباني شهد حوادث استهداف متكررة، وكانت غالبية المباني المستهدفة في مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع ومدينة خانيونس.
ويؤكد مصدر في الوكالة أن 80 في المائة من مقارها في القطاع باتت مناطق خطرة يصعب الوصول إليها. وتجهد إدارة الوكالة في الحفاظ على أرواح موظفيها بعد استشهاد 189 منهم، فضلاً عن عشرات المفقودين والمصابين”. ووثقت تقارير الوكالة المقدمة للأمم المتحدة ما لا يقل عن 57 حادثة استخدام لمقارها ومبانيها في التحقيق مع النازحين، معتبرة ذلك مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني، كما وثقت استشهاد ما لا يقل عن 450 نازحاً داخل مراكز الإيواء التابعة لها، وإصابة 1476 آخرين على الأقل، وهذه الأرقام تشمل فقط المصابين والشهداء الذين جرى الإبلاغ عنهم، بينما الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك.
وأكد المفوض فيليب لازاريني، أن ملاجئ الوكالة في رفح باتت فارغة، وأن “أكثر من مليون شخص نزحوا بحثاً عن مكان آمن لم يجدوه قط”. وبناءً على عمليات القتل والتنكيل، دعا لازاريني، إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بشكل عاجل”، محذراً من أن “المزاعم الإسرائيلية حول مشاركة موظفي الوكالة في عملية (طوفان الأقصى) جعلت طواقم الأمم المتحدة الإنسانية أهدافاً مشروعة. المسؤولون الإسرائيليون لا يهددون عمل موظفينا ومهمتنا فحسب، بل ينزعون أيضا الشرعية عن أونروا”.
بدوره، يقول مصدر من الوكالة في القطاع، إن “الحرب على الوكالة مستمرة، وتهدف إلى إنهاء دورها الإنساني، ومحاولة تشويه سمعتها كمقدمة للإجهاز عليها، وإخراجها من الساحة الفلسطينية، وبدأ ذلك بترويج اتهامات للموظفين، نتج منها وقف عدد من الدول تمويلها، لكن عدم اقتناع المجتمع الدولي بالادعاءات الإسرائيلية أعاد الكثير من الدول التي جمدت الدعم إلى تقديمه من جديد، كما أن بعض الدول زادت دعمها”.
وخلال الايام الأخيرة أكدت الوكالة أن “جميع ملاجئ الوكالة الـ36 في رفح خالية من النازحين بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية”، موضحة أن “العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية، اضطرت آلاف العائلات إلى الفرار”، وجددت في منشور عبر منصة إكس المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة نظراً لتقلص المجال الإنساني باستمرار. وقالت أن 1.7 مليون في خان يونس ووسط غزة باتوا من دون مأوى يبحثون عن مكان آمن لن يجدوه على حد قول المفوض العام لازاريني
وذكرت معلومات الأوساط الصحية أن 3500 طفل دون سن الخامسة في القطاع يواجهون خطر الموت جوعا؛ من جرّاء نقص الحليب والغذاء، وانعدام المكملات الغذائية، وحرمانهم (الأطفال) من اللقاحات الضرورية، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، وسط صمت دولي فظيع”، مؤكدا أن هؤلاء الأطفال يعانون “سوء التغذية بدرجة متقدمة أثَّرت على بنية أجسادهم؛ ما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض المعدية التي تفتك بحياتهم، وتؤخّر نموّهم، وتهدد بقاءهم على قيد الحياة”. ومن المعلوم أن القيود والحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي خلفت أكثر من 118 ألف قتيل وجريح فلسطيني، بينهم ما يزيد عن 15438 ألف طفل و10 آلاف امرأة، بالإضافة إلى نحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات.وبات أكثر من 17,000 طفل دون أحد والديهم أو كلاهما”. وفي 7 مايو/ أيار الماضي، استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر (جنوب)؛ ما أغلقه أمام خروج جرحى للعلاج وإدخال مساعدات إنسانية شحيحة أساسا. ليضاعف بذلك الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 18 عاما، حيث أجبرت الحرب الإسرائيلية على غزة نحو مليونين من سكان القطاع، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، وسط معاناة من شح شديد في الغذاء والماء والدواء.
مصطلح الإرهاب الذي تستخدمه إسرائيل ضد وكالة الاونروا مجرد تغطية وتمويه لما وصمت به محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية الممارسات الإسرائيلية وما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب متواصلة بدعم واسناد من الولايات المتحدة الأميركية والعديد من دول المجمع الرأسمالي الغربي…
Leave a Comment