عزيزي خالد غزال
الوقت سيظلّ متاحًا بيننا عند الصباح، عند المساء، لإلقاء التحيّة عن بعد، ومن مكانين مختلفين. لن يُبخَل علينا بمثل هذا الوقت للجلوس. لاحتساء القهوة. أو لتبادل كؤوس الودّ جميعها، أكانت من نوع العرق أم النبيذ أم الويسكي. سنظلّ نخترع اللحظات والظروف والمناسبات لتبادل الرأي. ولإثارة النقاش حول أمور كثيرة كثيرة. أنا مطمئنٌّ من هذه الناحية. سنبقى، والحال هذه، على تواصلٍ مستمرٍّ، إلى أن يقضي الدهر، أو الله، أمراً كان مفعولاً.
يمكنني أنْ أظلّ أراك، كما يمكنكَ أنْ تظلّ تراني. لن تتغيّر طقوسنا والأولويّات، على رغم كلّ ما جرى، ويجري. هل يعقل أنْ لا أظلّ على عهدي لكَ، لأخلاقكَ، لقيمكَ، لمعاييركَ، لوضوحكَ الديالكتيكيّ، لصراحتكَ الأنيقة، لكرمكَ الروحي، لنقدكَ المنهجيّ، لعقلانيّتكَ المدنيّة العلمانيّة الرصينة، وللبساطة الجوهريّة الخفرة الذكيّة المتواضعة التي تجعلكَ خادم المائدة وأنتَ سيّدها.
لم يكن يخطر في بال أحدٍ منّا، أنّ الحياة قد تُسرَق بهذه الطريقة الهمجيّة الفظّة. لا أحد منّا تبادر إلى ذهنه احتمالٌ مأسويٌّ كهذا. سيزداد الوضع سوءاً. البلاد ستشهد انهياراتٍ متتالية. لا بدّ من أنْ تسقط هذه السلطة. لا بدّ من سقوطها. أو إسقاطها. هذه مشورة التاريخ. والناس، ما أدراك ما الناس، ثائرون منتفضون باحثون عن الأفق متشبّثون بالأمل. وآخرون عالقةٌ أعناقهم إلى الأبد في رسن العبوديّات المعروفة. ستزداد مع الأيّام حاجتنا إلى اللقاء. لإعادة النظر في بعض المسلّمات. لبلورة الأفكار. لتوضيح الرؤية. لترسيخ المنهج. لترشيد ما يحتاج إلى ترشيد.
وأنتَ، بلياقتكَ الثقافيّة – الفكريّة – العقليّة – السياسيّة، ستظلّ حاملًا محبرة الحقّ والعدل والحرّيّة، لتكتب في كلّ ميدانٍ، وتشهر النقد، وتدلّ على الخطأ، وتقترح البدائل.
وأنتَ، بصلابتكَ النادرة، بزهدكَ الخلّاق، بترفّعكَ عن العابر، بامّحائكَ، بتحفيزاتكَ المثابرة، ستظلّ قادراً على إشاعة العزيمة التي قد ترتخي مفاصلها لدى البعض بين حين وآخر. وستظلّ متوهّجاً بما تمتلكه من شموعٍ عميقة الضوء، ومن حبٍّ لا يستكين ولا يعرف الخفوت ولا الخمول. ومهما جارت عليكَ الأيّام، وهي جائرة، ستظلّ منيعاً حصيناً راسخاً في موقعكَ، بصيراً رائياً رشيداً، مترفّعاً عن الضغن والحقد والكراهية والانفعال، وهذا ما من شأنه أنْ يُشعِر الجميع، هنا، أقربين وأبعدين، بأنّكَ سند الجميع.
وبعد، أكون قليل الحياء والوفاء إذا لم أعرب لكَ عن الكثير ممّا يثير الشجن الشخصيّ، بسبب الجور الذي لحق بشخصكَ، فاضطرّك إلى التغيّب. ابتعادكَ يمضّ، ومن الصعب أن يندمل موضعه النازف. أعرف هذا الوجع المشترك، الذي يجعلنا نحن المجتمعين هنا، عائلتكَ الكبرى، إلى جانب عائلتكَ البيتيّة الجميلة الصابرة والأنوفة. وأعرف أنّك تعرف. وهذا من شأنه أنّ يعزّي، ويجعل المسرّة مقيمةً. ولأجل ذلك أنا أبتسم لمحيّاكَ.
[author title=”عقل عويط” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]