مجتمع

أطباء لبنان: مناضلون يواجهون الوباء والفساد

كتب الدكتور وهيب سلامة 

الأزمات القاهرة التي تعصف بالوطن نالت من جميع الفئات والطبقات،وأصابت شظاياها الأكثر فقراً والأقل دخلاً، كما لامست وفي العمق الطبقة الوسطى – صمام أمان الأمن الاجتماعي ـ والفئات الميسورة من أصحاب المهن الحرة، التي عرفت فيما مضى مستويات معيشة متقدمة، سمحت لها بالتطور والإرتقاء والتوسع .
وأكثر من أصيب من هذه الفئات الأطباء، الذين طالتهم الأزمات، بما فيها الأزمة المعيشية، وما رافقها من تدمير اقتصادي وانهيار مالي وتدنٍ في سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، في اقتصاد مدولر يعتمد بالدرجة الأولى على استيراد اكثر من حوالي 80٪ من احتياجاته من البضائع والمستلزمات الأساسية.. اذ لم يكن يكفي اطباء لبنان معاناتهم كما باقي الشعب اللبناني من نتائج السياسات الاقتصادية التدميرية للطبقة الحاكمة، حتى جاء تفشي وباء “فيروس كورونا” ليزيد الطين بلة، حيث وقع على عاتق الأطباء من خلال عملهم اليومي في المستشفيات والمراكز الطبية، واجب التصدي وباللحم الحي لهذا الوباء القاتل، والآخذ في التوسع. وقد تقدم الاطباء – والعاملون الصحيون الصفوف وتنكّبوا عناء هذة المواجهة، وواجهوا وما زالوا دون الحد الأدنى من مقومات الصمود والحماية والرعاية .
وفي هذا الميدان، سقط العديد من الأطباء شهداء الواجب والإنسانية خلال تأديتهم واجبهم المهني.. ورغم المطالبات الكثيرة للأطباء وتجمعاتهم بضرورة تعديل بعض النصوص القانونية التي تحمي الأطباء وعائلاتهم اثناء تأديتهم واجبهم المهني، واعتبارهم ومعاملتهم كجنود جيش الوطن، شهداء أو جرحى الواجب مع ما يقتضيه هذا التعديل من تعويضات وتقديمات …
علماً أن الأطباء يمارسون عملهم الذي يُصنَّف في خانة المهن الحرة و يدفعون الضرائب بما فيها ضريبة الدخل، كباقي اللبنانيين، الا أنهم محرومون من الاستفادة من معاش تقاعدي حقيقي، وكل ما ينتظرهم ليس سوى معاش تقاعدي زهيد محدد بـ ٩٠٠ الف (تسعمائة ألف ليرة لبنانية) مضاف إليها ٣٠٠ الف (ثلاثمائة الف ليرة لبنانية) من صندوق الإعانة – ليصبح ومنذ فترة وجيزة ما مجموعه الـ  1.200.000ل.ل. هذا المبلغ الزهيد لا يؤمن حماية وحياة كريمة لمن دفع حياته خلال قيامه بواجبه من أجل أن يحمي الناس من المرض والموت .
كما أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم يقر بعد ديمومة تقديم خدماته بعد سن التقاعد، علماً أن هناك مشكلات عدة رافقت قرار الضمان بتوسيع “تقديماته الخاصة” لتشمل الأطباء، مما عقّد من عمليات الانتساب والاستفادة، وحرم الألوف من الأطباء من الاستفادة، نتيجة تراكم ديون الاشتراكات وفوائدها العالية، مما جعلها حجرعثرة أمام عملية الانتساب وبدء الاستفادة، علماً أن الاطباء الذين لم يدفعوا وما زالوا متخلفين عن إيفاء ما عليهم، هم بنظر الضمان ضحية اتفاق غامض ومناقض مع نقابتهم، وهو بحاجة الى قانون من المجلس النيابي لحله..
اضافة إلى كل هذا يعاني الاطباء من تدهور مستوى دخلهم، ومن الفوارق الشاسعة بين اطباء المستشفيات والجامعات في العاصمة والمدن الكبرى والضواحي والأرياف .
أضف إلى ذلك التنظيم النقابي نفسه، الذي تغلب عليه وظيفته الإدارية – التنظيمية(order) على التنظيم النقابي المستعد للدفاع عن المهنة وأهلها، حيث تعرضت النقابة كما غيرها من المؤسسات والنقابات إلى سطوة احزاب الطوائف، التي سيطرت واقتسمت مواقع القرار فيها ومواردها، وعطلت دورها الرائد  في تعزيز الحياة الديمقراطية ودورها المجتمعي والسياسي الفاعل في رسم السياسة الصحية الوطنية وإغناء ثقافة التفاعل والوعي المجتمعي والوقاية.
ولاشك أن جمهور الاطباء يقاوم سطوة احزاب السلطة في نهب موارد النقابة واغراقها بالفساد المالي والإداري عبر الصرف غير المجدي والتوظيف العشوائي، ما يحول دون إعادة النظر بتحسين وسائل جباية الموارد وترشيد إنفاقها، وتامين معاش تقاعدي لائق، وزيادة التقديمات وكذلك إجراء قطع حساب سنوي ومحاسبة شفافة، نشير هنا إلى أن آخرعملية قطع حساب كانت في العام ٢٠١٥، أي منذ أكثر من خمس سنوات.
من هنا تستمد تحركات الاطباء داخل نقابتهم من أجل تغيير منهجية العمل المشوب بالكثير من الممارسات، واتباع الاصول النضالية الديمقراطية  في العمل من أجل التغيير، ولعل النتاىج التي حققتها لائحة “الاطباء المستقلين” في انتخابات العام 2019  خير دليل على ضرورة متابعة هذا الخط وتعميقه ومشاركة المزيد من الاطباء في مساره في الانتخابات المقبلة. 
وإلى ذلك الحين يستمر الاطباء في ممارستهم، متقدمين صفوف المواجهة الإنسانية  للجائحة، وسلطة الفساد والمؤسسات الرسمية والنقابية.

Leave a Comment