محمد قدوح
بيروت 23 شباط 2024 ـ بيروت الحرية
تستعد الحكومة لمناقشة مشروع القانون المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف الناتجة عن الانهيار المالي والمصرفي. ويبدو أن هذه المناقشة ستنطلق من طرح قدمته جمعية المصارف، ويقوم المشروع على تحميل خسائرها والتزاماتها تجاه المودعين إلى الدولة اللبنانية، أي إلى الشعب اللبناني. بإعتبار أن هذه الخسائر ناتجة عن الديون المترتبة على الدولة اللبنانية لصالح المصارف والتي تعود في الأصل إلى المودعين في هذه المصارف.
معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية في بيروت نشر تقريراً أعده الخبير المصرفي توفيق كسبار الغاية منه، تحديد المسؤوليات المتصلة بالانهيارين النقدي والمصرفي، ومحاولة الإجابة عن السؤال المتصل بعدالة توزيع الخسائر بين أطراف المعادلة وأين ذهبت هذه الخسائر.
هذه الاسئلة تتصل بكل النقاشات الراهنة حول آليات توزيع الخسائر وإعادة هيكلة المصارف. ويذكر في هذا الإطار أن كسبار سبق وأن حذّر في العام ٢٠١٧ من حصول انهيار نقدي ومصرفي خطير بسبب النتائج الكارثية التي ستترتب على أدوات الهندسات المالية التي يعتمدها مصرف لبنان، ويؤكد كسبار في تقريره الذي وضعه بعد تحليل التقرير المالي الجنائي، حصول الكارثة التي توقعها منذ العام ٢٠١٧، ويميز كسبار في هذا التقرير بين الدين العام، الذي هو تراكم نتج عن عجوزات الميزانية من جهة، وبين خسائر القطاع المعرفي، أو الفجوة ما بين الموجودات المتبقية لدى المصارف وقيمة الالتزامات المتوجبة على القطاع للمودعين من جهة ثانية. وهو ما يدحض المطالعة التي تقول بأن خسائر المصارف هي نتيجة إستخدام دولار المودعين لتمويل الموازنة العامة.
ومما يثبت ذلك أن تحويل المصارف ومصرف لبنان كان في غالبيته الساحقة بالليرة اللبنانية، فيما الفجوة المصرفية هي بالعملات الاجنبية، وقد نتجت عن عمليات أخرى متبادلة بين مصرف لبنان والمصارف التجارية (الفوائد، الهندسات المالية والارباح الفاحشة وتمويل التحويلات وغيرها في العمليات الغامضة).
وقد توصل كسبار إلى أنه بعد العام 2019 تنامى الدين بالليرة اللبنانية، وكانت له آثار كارثية على مستوى قيمة الليرة اللبنانية. ويشير إلى أن الخسائر المتراكمة للهندسات المالية التي قام بها مصرف لبناني بين العامين 2015 و2019 بدأت في حدود ٤١ مليار دولار وتنامت قيمتها التراكمية لتصل إلى حدود 55 مليار عام 2019 والى نحو 60.5 مليار دولار عام 2020 (الهندسات هي ارباح غير مشروعة للمصارف).
ولاحظ كسبار أن الصافي السلبي من الاحتياطات بالعملة الاجنبية، أي موجودات والتزامات المصرف المركزي بالعملة الأجنبية بدأت أيضاً بالتراكم من 5.5 مليار ٢٠١٥ إلى 29.9 مليار دولار عام ٢٠١٩ وصولاً إلى 71.8 مليار دولار عام ٢٠٢٠ ، ويلاحظ التوازي ما بين حجم فجوة المصارف والصافي السلبي لاحتياط مصرف لبنان، أي بمعنى آخر التوازي بين كلفة الهندسات المالية وفجوة الخسائر.
ويؤكد كسبار في خلاصة تقريره أن الهندسات المالية وطريقة عملها أدت إلى الازمة المصرفية، أما انهيار قيمة الليرة فهو ظاهرة مختلفة ترتبط بالدين العام، ففي مرحلة الثمانينات شهدنا إنهياراً كبيراً لقيمة الليرة ولم نشهد إنهياراً مصرفياً موازياً.
ويستنتج مما سبق إن عدالة توزيع الخسائر يجب أن يتحملها من استفاد من الأرباح غير المشروعة، وبالتالي على المصارف أن تتحمل هذه الخسائر التي اثبت التقرير بأنها تعادل قيمة الأرباح غير المشروعة التي حققتها نتيجة الهندسات المالية.
Leave a Comment