حسين الصلح
صديقي ورفيقي ابو حسين محمود الشوباصي سلاما
تعود بي الذاكرة الى محطات من تاريخ نضالنا معا خلال عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات في مسيرة نضالية مشرفة، نعتز ونفتخر بها لأنها حاضرنا وماضينا وذاكرتنا المشعة، كنا فيها في مقدمة الصفوف الى جانب رفاق رحلوا واستشهدوا ورفاق ما يزالون يناضلون ويعملون بالشأن العام. كنا مع العمال في المصانع، ومع الطلاب في الجامعات والمعاهد، وفي المدارس مع المعلمين والمتعلمين في تحركاتهم دعماً لمطالبهم المحقة، ومع الفلاحين والمزارعين والعمال الزراعيين في مؤتمراتهم وتنظيم أوضاعهم في النقابات، كما شاركنا في التظاهرات والتحركات المطلبية للجماهير اللبنانية وللفئات المسحوقة، الى جانب الأحزاب الوطنية. وشاركنا الأخوة الفلسطنيين في ثورتهم ودعماً لقضيتهم في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كما دعمنا وتظاهرنا من أجل حركات التحرر العربية والعالمية بكل حماس ومسؤولية ومهما كان الثمن .
كافحنا من أجل التغيير الديمقراطي وحملنا مشروعاً لإنقاذ لبنان عابر للطوائف، لكن المسار العام في المنطقة ولبنان لم يكن في مصلحة التغيير والتحديث، فسقط المشروع وأغتيل قائده المعلم كمال جنبلاط. لقد كنا مشاريع شهداء او جرحى او معتقلين كما حصل لمئات الرفاق ممن كانوا يناضلون في مختلف المواقع والساحات .
ابو حسين: منذ سقوط المشروع الوطني والوطن في تراجع مستمر بعد ان سادت الطوائف والمذاهب، وأصبحت الدولة أسيرة المنطق الطائفي، وتحولت المؤسسات الى مراكز لهذا الزعيم او لذاك، وأخذت المؤسسات الرسمية بالتحلل والتقهقر والإنحلال، وأصبحت جميع القطاعات مهددة، والأخطار تحيط بنا من كل حدب وصوب، لاسيما بعد إنهيار العملة الوطنية وإنهيار الطبقة الوسطى وتعيم الفقر والعوزعلى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين .
ابو حسين: البلد خضع بصورة مطلقة للأحزاب الطائفية التي تسيطر على قرارات الدولة بالوهرة السياسية وبالسلاح، وتخضع البلد الى سياساتها وإرتباطاتها الإقليمية ضاربة عرض الحائط بمصالح اللبنانيين الوطنية والإقتصادية والمعيشية، بينما أحزاب المعارضة المنضوية في السلطة التي تعارض الهيمنة على لبنان غير قادرة على توحيد موقفها في السياسة، وعاجزة عن التوصل الى برنامج مرحلي لإنقاذ البلد، والناس في كل المناطق تنتظر الخلاص، لكن لا يوجد مخلص لان عصر العجائب قد انتهى .
أخي ورفيقي ابو حسين: لا أريد ان أتعبك وأنت في عالم آخر، يكفيك التعب الذي تحملته حين كنا معا، لكن أردت مخاطبتك لإنك تحتاج الى من يسرّ في أذنك واقع حالنا البائس والصعب والخطير ايضا، وكيف لزين الرجال الذي أدركه الموت وهو لا يزال في طريقه الى نصرة الحق وخدمة العدالة وقيام الدولة العادلة، ان يرديه القدر قبل ان يحقق حلمه الوطني؟
ابو حسين: لقد تمثل لي في رحيلك وغيابك إفتقادنا الى الخُلق الرضي والطبع الحي والفكر النير والإخاء الواسي والوفاء المضحي، وتمثل لي في مصاب وطني لبنان والمدافع عنه والناشط من أجله، صاحب المواقف الحافلة بحدة الذهن والثابتة في السلوك، والمناضل الشجاع، والظريف السمح، فجزعت جزع المواطن الذي يرى ثروة من المواهب تفقد ولا تموت .
حزنت وما زلت أحزن على إنسان تجمل بإنسانيته، ولا أكاد أجد شبيها لأبي حسين، لقد برهن بالفعل على ان الإنسان الذي يسفل يكون شرا وبلاء على من حوله كما هم رجال السلطة والمتحكمين برقاب الناس، بينما الإنسان الذي يكافح ويناضل يكون خيرا لأهله ولأبناء وطنه .
لقد جزعت للوطنية في هذا البلد البائس بعد ان أصبح الأفراد ينعون أحوالهم وأحوال البلد بينما هم يصطفون امام قصور جلاديهم .
ابو حسين وأمثاله هم الذين يرفعون قيمة الفضيلة في التعامل والمواقف المناهضة للسلطة الجائرة والمستبدة، التي ترهن مصير البلاد الى الخارج وتعمل على تجويع المواطنيين .
ابو حسين: كم كانت لحظة فراقك صعبة، لأنها كانت لحظة شؤم تنبه فيها القدر، وعجز الطب عن المداواة، وذهب كله كما يذهب الحلم وتبدد هذا كله كما يتبدد الشعاع .
ابو حسين في ذاكرتي لن يموت.
البقاع / 3 نيسان 2023
Leave a Comment