محمد قدوح
بيروت 9 اذار 2024 ـ بيروت الحرية
تصاعد مؤخراً نوعان من الانتقادات للحكومة، الاول من قبل بعض الخبراء الاقتصاديين يتعلق بتأثير زيادة الرواتب والاجور التي أعطيت للعاملين في القطاع العام على إستقرار السوق النقدية. حيث ابدى هؤلاء تخوفهم من ان تؤدي هذه الزيادة إلى تفاقم الأزمة المالية التي تعصف في البلاد منذ اربعة اعوام. وقد ارتكز تخوف الخبراء على امرين اساسيين: الاول هو عدم وجود احصاء دقيق لدى الحكومة للمستفيدين من هذه الزيادة، كما حصل بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017. أما الثاني فيتعلق بقدرة الدولة على جباية الايرادات المقررة في الموازنة من جهة، وقدرة مصرف لبنان على تأمين الدولارات اللازمة لدفع الرواتب والاجور من جهة ثانية، من دون ان يؤدي ذلك إلى حدوث إضطراب في سعر صرف الدولار.
لكن وبعد االتدقيق في هذين الامرين، بدا أن هناك خلط لدى الخبراء بين حجم الرواتب وملحقاتها الملحوظة في الموازنة العامة، وبين حجم رواتب القطاع العام ككل بما فيه المؤسسات العامة ذات الاستقلال المالي والاداري. هذا الخلط ادى الى خطأ في تحديد نسبة حجم الرواتب في الموازنة العامة والذي زعم هؤلاء الخبراء انه يتجاوز الـ 50% من مجموع الايرادات. لكن وبحسب مصادر وزارة المالية يقدر حجم الرواتب وملحقاتها في موازنة العام 2024 (مخصصات الرواتب + المعاشات التقاعدية+ إحتياطي العطاءات) يبلغ 10.700 مليار ليرة شهرياً، بما في ذلك رواتب المؤسسات العامة والبلديات لا تدخل ضمن الموازنة العامة، بإعتبار ان لكل منها موازنته الخاصة، تصرف منها الرواتب، مما يوجب حسم قيمة رواتبهم من القيمة المشار اليها اعلاه (10.700 مليار). وبناءً عليه، تقدر قيمة رواتب العاملين في الادرارات العامة والمتقاعدين الذين يقبضون من الموازنة العامة، بحوالي 9000 مليار ليرة شهرياً. أي ما يوازي 35% من مجموع ايرادات الموازنة العامة، ويذكر انه بلغ متوسط ايرادات الدولة العام الماضي حوالي 23.000 مليار ليرة شهرياً، مما يشير إلى أن الجباية قد تتجاوز هذا الرقم بعد مضاعفة الرسوم والضرائب عدة مرات.
أما فيما يتعلق بقدرة مصرف لبنان على تأمين الدولارات من السوق لدفع الرواتب والاجور، يلاحظ أن احتياطي مصرف لبنان بالدولار قد تزايد شهرياً منذ إستلام منصوري مهام الحاكمية. وفي المقابل انخفض حجم الكتلة النقدية بالليرة وباتت في حدود الـ 50 ـ 60 تريليون ليرة، وهو ما يؤشر إلى قدرة المصرف المركزي على تأمين الدولارات اللازمة لدفع الرواتب، وخصوصاً وانه سيتم إعادة ضخ هذه الدولارات في السوق لكون رواتب العاملين في القطاع العام لا تكفي لتأمين الحاجات الاساسية لأسرهم، وبالتالي لا إمكانية لديهم لإدخار قسم منها. يمكن الاستنتاج مما سبق، أن مخاوف الخبراء الاقتصاديين مبالغ فيها، إن لم نقل أنها تندرج في اطار التعمية على الاسباب الحقيقية للانهيار المالي، وإعفاء اصحاب المصارف وشركائهم من السياسيين المستفيدين من الهندسات المالية من المسؤولية عن هذا الانهيار.
اما النوع الثاني من الانتقادات التي وجهت للحكومة، فيتعلق في الاسلوب المتبع في اعطاء الزيادات للعاملين في القطاع العام، حيث أنها تصر على عدم ادخال هذه الزيادات في اساس الراتب، وإعتبارها مساعدة اجتماعية مؤقتة، وذلك بهدف تقليص حجم المعاشات التقاعدية من جهة، والعمل على إعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب باتجاه تخفيضها من جهة ثانية، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة في مقابلة تلفزيونية.
ويندرج في هذا الاطار اعطاء الزيادات على الرواتب بشكل حوافز تحت مسميات مختلفة للموظفين في الخدمة الفعلية، كي لا تعتبر بمثابة حق مكتسب لهم من ناحية اولى، ولكي لا يطالب المتقاعدون بزيادة تعادل 85% من قيمة الرواتب للموظفين في الخدمة من جهة ثانية.
وقد جاء الانتقاد الاعنف على أداء االحكومة من قبل الموظفين عندما حاولت تخصيص حوافز لقسم من موظفي وزارة المالية وموظفي اجهزة الرقابة ورئاستي الجمهورية والحكومة، وهو الامر الذي دفع موظفي باقي الادارات للإضراب العام والشامل، ما أسقط في يد الحكومة ودفعها إلى التراجع عن هذه الخطوة.
وخلاصة القول في هذا السياق، لقد نجحت الحكومة في تحويل الموظفين الى عمال مياومين، كما نجحت ايضاً في تعميق الانقسام داخل رابطة الموظفين، واحداث شرخ بين موظفي وزارة المالية واجهزة الرقابة من جهة، وبين موظفي باقي الإدارات من جهة ثانية.
الواضح أن الحكومة تتجه نحو اعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب وضرب المعاشات التقاعدية، وبالتالي فإن الموظفين في القطاع العام امام تحدي المواجهة وعليهم اعادة توحيد صفوفهم، والدعوة إلى انتخاب هيئة ادارية جديدة لرابطة الموظفين تعيد اللحمة بين الموظفين وتعمل على إعداد خطة المواجهة المقبلة.
Leave a Comment