منشورات

منظمة العمل الشيوعي في لبنان: السلطة بأدائها السياسي والاقتصادي تتحمل كامل المسؤولية عن الفوضى الأهلية والعنف في طرابلس وساحات الاحتجاج

    لم يكن مفاجئاً انفجار الوضع في طرابلس على النحو الذي أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى من المدنيين والعسكريين بعد ليالٍ دامية جرى خلالها إحراق العديد من المؤسسات العامة والبلدية والروحية والثقافية. إن مقدمات ما حدث تكمن في مواقف أطراف السلطة ورفضها القيام بأبسط بديهيات مسؤولياتها بما هي تشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين للشروع في التصدي للأزمات المتفجرة. إذ ورغم كل مظاهر الوضع الكارثي ومعاناة أكثرية اللبنانيين لا تزال الأطراف الممسكة بزمام السلطة عند مواقفها  التي تحول دون قيام سلطة تنفيذية قادرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، واستعادة العلاقة مع الدول العربية والصديقة، وكل الجهات التي تستطيع المساعدة للخروج من مستنقع الانهيار. إن هذه السلطة وفي مقدمها العهد هي المسؤولة الأولى عن كل ما حلَّ بالبلاد من أزمات وانهيار اقتصادي ومالي وآفات اجتماعية كارثية، في ظل رفضها وتهربها من القيام ولو بخطوة واحدة في الاتجاه الصحيح. ولعل ما شهدته البلاد في الأشهر المنصرمة وأقساها كانت جريمة انفجار مرفأ بيروت، وما نتج عنها من شهداء وجرحى ودمار أحياء بكاملها هو خير دليل. ولا تتوقف الكارثة عند هذه الحدود، بل أن كل المسارات التي تنتهجها سائر أطراف السلطة يجعل البلاد مكشوفة على نحو مضاعف أمام أزمات الداخل ومصالح وتجاذب سياسات الخارج. من هنا فإن معالم الكارثة تتبدى على النحو الآتي:

  1. استمرار اعتبار البلاد وقضايا الناس ملعباً يتبادل فيه أصحاب المحاصصات تقاذف كرة التعطيل، ومعه تتصاعد سجالاتهم القائمة على التحريض الرخيص وتبادل  المسؤوليات. فالعهد وتياره يشهران الرغبة في إبعاد الرئيس المكلف ويتوليان تسريب الأشرطة والاتهامات، ما يدفع الأخير للتشبث بتكليفه من الناحية الدستورية والسياسية، وعن موقعه ودوره،  مؤكداً قدرته على البقاء في المعادلة وطرفاً فاعلاً في السلطة.
  2. يعتمد الطرف المهيمن والمتحكم بالوضع، إلى سياسة المراقبة وعدم التدخل، لأن مياه أزمة التعطيل تصب في مجاريه، سواء للإفادة منها لتعزيز مواقعه في بنية النظام، أو لربط مصيرها  ومعها البلد بتطورات دولية واقليمية يراهن عليها راعيه الاقليمي، وإبقاء اللبنانيين في خانة الانتظار القاتل.
  3. يرافق هذه المراوحة  تداعيات مخيفة تتمثل بالانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي وارتفاع أسعار السلع والحاجيات الأساسية، معطوفة على مفاعيل الحجر والاقفال المستمر في مواجهة استفحال انتشار وباء كورونا. بينما القطاع الصحي يعاني من عجز فاضح عن مجابهة التفشي وسط أنين الجهاز الصحي من الكدح وسط ندرة التجهيزات والأدوات، وتكدّس المرضى في ممرات وأقسام الطوارئ بالمستشفيات وارتفاع أعداد الضحايا وبعضهم امام ابوابها وفي المنازل، في موازاة تخبط المسؤولين وسوء ادارتهم لملفات القطاع ومواجهة الوباء رغم الأموال التي ترد من البنك الدولي لهذه الغاية.
  4. إن اعلان اقفال البلاد للمرة الرابعة في غضون عام واحد يدلل على قصور السياسة المعتمدة، وهو أصلاً لم يترافق مع اجراءات ملموسة لدعم الفئات الاكثر تضرراً من المواطنين، علماً أن كل اللبنانيين باتوا متضررين من هذا الفشل المتمادي عن إدارة شؤون بلادهم بما يحررهم من الفاقة والعوز وشلل المؤسسات والمرافق، وتراجع أجورهم ومدخراتهم أو تعذر بلوغها في المصارف.

   لقد كان من البديهي أن ينفجر غضب الناس في طرابلس بالتحديد،  بالنظر إلى ما تعانيه المدينة من إهمال وتهميش وإفقار طوال عقود، ما يجعلها المدينة الأشد فقراً في لبنان وفي منطقة حوض البحر المتوسط بأسره. لقد أوغلت أطراف  السلطة وأجنحتها في التلاعب بالمدينة واستغلال معاناة اهلها، واعتبارهما صندوق بريد لتوجيه وتبادل الرسائل الدموية، بينما غابت وغُيبت قضايا إنمائها وتحسين أوضاع فئاتها المفقرة من جميع النواحي الحياتية.  إن التحركات والاحتجاجات العفوية وقطع الطرقات جاء نتيجة طبيعية للعجز عن تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش لمئات الألوف من أبناء المدينة من السائقين والمياومين والصيادين وباعة الخضار وصغار التجار والموظفين. وبدل أن تعمد  السلطة إلى البحث  عن حلول اجتماعية واقتصادية ومعيشية تضمن الحياة الكريمة لمعظم سكان المدينة المنكوبة والمواطنين ، إذ بها تسلط القمع على تجمعات المحتجين  مستغلة قيام بعض المجموعات المشبوهة بممارسة العنف وإلقاء القنابل والمتفجرات على بعض مرافق المدينة ومؤسساتها.

    إن منظمة العمل الشيوعي في لبنان إذ تدين أداء سلطة الفساد والنهب والمحاصصة وتحملها مسؤولية العنف الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والأمني الذي تسلطه على البلاد، والزج  بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في مواجهة من تتشارك معهم معاناة سياساتها وممارساتها. في الوقت نفسه تستنكر ممارسات العنف من قبل بعض المجموعات المشبوهة وغير المسؤولة. إن امتداد التحركات نحو بقية المناطق، ليس سوى تعبير عن يأس اللبنانيين من هذه السلطة بسائر قواها ومراكز نفوذها، وتأكيد على عمق الأزمة التي طالما حذرت منها مرجعيات داخلية وخارجية. لكن صوتها ذهب مع رياح الصمم التي أصابت المسؤولين من أعلى الهرم حتى أسفله .

    إن منظمة العمل الشيوعي التي ترى في جملة هذه الأحداث مقدمات لكارثة زاحفة على البلاد تدفع بالناس للخروج عن ضرورات الحجر. كما أن هذا التفلت الفوضوي من شأنه أن يشق مساراً قاتلاً يضاعف الكوارث المتدافعة، ويرفع وتيرتها خاصة مع محاولات التوظيف السياسي لها، وشد العصب الطائفي سلاحاً لتفخيخ التحركات الاحتجاجية الاعتراضية، والتي يصعب أن تحقق أهدافها في غياب مراجعة تجاربها وفي مقدمتها انتفاضة 17 تشرين المجيدة واستخلاص الدروس والعِبر من دلالاتها، طالما أن هذه السلطة بأركانها مصرة على المضي في سياسة التعامي عن الفقر والجوع الزاحف على بيوت اللبنانيين بفعل إهمال المسؤولين وجشع التجار والمصارف .

   ليكن الحراك الراهن مناسبة للتبصر بما تستطيعه القوى الديموقراطية السلمية على صعيد قيادة وترشيد التحركات، ووضع برنامج وطني يحافظ على مؤسسات الدولة والمجتمع وقواها الباقية، ويضمن قيامها بواجباتها في إسعاف المواطنين في صحتهم، وضمان أمنهم، وممارسة حقهم بتحصيل لقمة عيشهم دون استجداء أو استعطاء.

بيروت 29 كانون الثاني 2021

 المكتب التنفيذي

 لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان

Leave a Comment