سعيد طانيوس ـ موسكو
فرض الغرب الجماعي وحلفاؤه في اليابان وأستراليا وبعض الدول، 11 حزمة من العقوبات ضد روسيا، منذ بدئها ما تسميه “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا وحتى الأن، طالت معظم مجالات ونواحي حياة المواطن الروسي العادي، بدءا من تحويل واستقبال الأموال من وإلى الخارج ، وحظر استخدام البطاقات المصرفية الصادرة في روسيا في ماكينات الصرف الآلي في الغرب، مرورا بمنع وصول الكثير من الأدوية والإسعافات الطبية، بحجة استخدامها المزدوج، وصولا إلى قطع خطوط الطيران والسفر نحو كثير من دول العالم، ومنها لبنان الذي رفض تقديم ضمانات لشركة الطيران الروسية “أيروفلوت” بعدم مصادرة طائراتها وتقديم الخدمات الأرضية لها، وعلى رأسها تزويدها بالوقود اللازم لطيرانها في رحلة الإياب.
ومع تشديد الغرب المنافق عقوباته على البسطاء من المواطنين الروس، لا تزال دوله تستضيف المئات من النخب الروسية الثرية، ورجال الأوليغارشية الموالين للكرملين وزعيمه فلاديمير بوتين.
فلا يزال قطيع نخبوي كامل من الروس المرتبطين بالرئيس بوتين، أو الجيش الروسي، موضع ترحيب في دول الاتحاد الأوروبي، رغم العقوبات الغربية الشديدة التي تهدف لعزل روسيا بسبب ما يعتبره الغرب غزو أوكرانيا، حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تحقيق مطول بالأرقام والأسماء في هذا الموضوع.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن بعض المقربين من بوتين يسرحون ويمرحون في دول أوروبا الغربية على وجه الخصوص، ويتمتعون بكل المزايا التي توفرها هذه الدول، وهو الأمر الذي أثار انتقادات من السياسيين والنشطاء الأوروبيين المعارضين لانخراط الغرب الجماعي في دعم أوكرانيا لمواجهة روسيا، وكذلك من قبل المواطنين الروس المناهضين للحرب، بما في ذلك مؤسسة مكافحة الفساد التابعة للمعارض الروسي، ألكيسي نافالني، الذي يقضي عقوبة طويلة بالسجن في ظروف شبه مأساوية.
ويضغط قادة المؤسسة من أجل اتخاذ مزيد من الإجراءات، من خلال لفت الانتباه إلى القضايا التي يبدو أنها تتحدى الأهداف التي صممت من أجلها العقوبات الغربية.
وقال رجل الأعمال الروسي الناقد لبوتين والمنفي في لندن، ميخائيل خودوركوفسكي، إنه “بعد عام ونصف من بدء الغزو، لا تزال سياسة العقوبات غير منهجية، ودون المستوى” والأهداف التي فرضت من أجلها.
وأضاف: “ممثلو المعارضة الوطنية المناهضون للحرب الذين يتعرضون للاضطهاد في روسيا، يجدون صعوبة في الحصول على تأشيرات دخول وفرصة للانتقال إلى الغرب، بينما يعيش الكثير من النخب الروسية التابعة لبوتين وحتى أقارب مجرمي الحرب، بشكل جيد في الغرب، بعدما حصلوا على تصاريح إقامة أوروبية، لينفقوا الأموال المسروقة في روسيا هناك”.
وفرضت دول غربية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سلسلة من العقوبات على كبار الساسة الروس والمسؤولين العسكريين ورجال الأعمال الأثرياء الذين تربطهم صلات مباشرة ببوتين. وفي بعض الحالات، وُضع أقاربهم أيضا تحت وطأة العقوبات، ولكن ليس على نحو جدي وحازم.
وسلطت الصحيفة الأميركية الضوء على أبرز الشخصيات المقربة من بوتين أو الجيش الروسي الذين يعيشون في الدول الأوروبية، دون أن يتعرضوا للعقوبات.
من بين هؤلاء البطلة الروسية، يلينا إيسينباييفا، الحائزة على ميدالية ذهبية أولمبية في القفز بالزانة، وترتبط بعلاقات شخصية وثيقة مع بوتين.
وتحمل أيضا الرتبة الفخرية لرائد في الجيش الروسي. وتعيش إيسينباييفا بهدوء في منزل فاخر تبلغ قيمته الملايين من الدولارات، في جزر الكناري الإسبانية.
ووفقا لتحقيق جديد أجرته مؤسسة مكافحة الفساد، فإن إيسينباييفا اشترت فيلتين ومنزل هناك بقيمة 3.2 مليون دولار تقريبا، مما سمح لها بالحصول على تصريح إقامة إسباني بعد أسبوعين فقط من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والمستمرة منذ فبراير 2022.
وفي عام 2020، شاركت هذه النجمة الروسية في مجموعة عمل بشأن التعديلات الدستورية التي مكّنت بوتين من البقاء في السلطة حتى عام 2036، لكنها لم تتعرض لأي عقوبات غربية، وهذا ما يشكل دليلا على نفاق الغرب وازدواجية معاييره.
كما أن ابنة وصهر بوريس أوبنوسوف، وهو رئيس شركة الصواريخ التكتيكية المملوكة لروسيا، والتي تنتج الصواريخ والقنابل الجوية المستخدمة في أوكرانيا، لا تزال تعيش في براغ، حيث تمتلك الأسرة العديد من العقارات والمركبات الفخمة.
وتعيش أولغا أوبنوسوفا وزوجها، روستيسلاف زوريكوف، منذ عام 2020 في العاصمة التشيكية براغ، حيث يقال إنهما وأفراد الأسرة الآخرين يمتلكون عقارات تزيد قيمتها عن 8 ملايين دولار.
في غضون ذلك، قامت المستشارة السابقة لوزير الدفاع الروسي، ماريا كيتاييفا، والتي تحمل رتبة لواء فخري بالجيش ولها علاقات مع نائب وزير الدفاع، تيمور إيفانوف، بزيارات متكررة إلى المجر وإيطاليا من أجل الترفيه والتسوق خلال العام الماضي وهذا العام أيضا.
ووُضعت كيتاييفا تحت عقوبات من قبل كندا وأوكرانيا بسبب دعمها للحرب، وحياتها المهنية كمروجة للدعاية الروسية الرسمية، ولكن ليس من قبل الاتحاد الأوروبي.
ويخضع سرغي إيفانوف لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كونه المسؤول الأول عن البناء في الجيش الروسي ويشرف على إعادة إعمار مدينة ماريوبول الأوكرانية التي استولت عليها القوات الروسية العام الماضي بعد حصار طويل، لكن مؤسسة مكافحة الفساد الروسية تقول أن زوجة إيفانوف السابقة، سفيتلانا مانيوفيتش، واصلت السفر إلى أوروبا العام الماضي، بما في ذلك القيام برحلات إلى باريس من أجل الإنفاق على الرفاهية.
بالإضافة إلى ذلك، لم تُفرض عقوبات على شقيق وابنة وأقارب آخرين لمكرتيش أوكرويان، كبير المصممين في مجموعة “سويوز”، وهي شركة تصنع محركات للعديد من الصواريخ التي يتم إطلاقها على أوكرانيا، بما في ذلك صاروخ أصاب مركزا تجاريا في كريمنشوك العام الماضي، مما أسفر عن مقتل 20 شخصا على الأقل.
ويمتلك أقارب أوكرويان عقارات فاخرة ضخمة في بريطانيا. ودعت مؤسسة مكافحة الفساد إلى إدراج أوكرويان وأقاربه في نظام العقوبات بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ولم يرد ممثلو أوكرويان وكيتاييفا ووزارة الدفاع الروسية على طلبات صحيفة “واشنطن بوست” للتعليق.
وقال المحقق في مؤسسة مكافحة الفساد، غيورغي ألبوروف، إن “الغزو أجبر الكثير من أفراد النخبة الروسية على بناء حياة كاملة في الغرب، بعيدا عن الحياة تحت حكم فلاديمير بوتين”.
وأرسل العديد من هؤلاء الأثرياء الروس، بما في ذلك بعض المسؤولين، أطفالهم للعيش في الخارج، ولهم حسابات مصرفية خارجية ومنازل لقضاء العطلات.
وقال ألبوروف إنه “ينبغي إعادة هيكلة العقوبات الغربية، لتأخذ في الاعتبار الحقائق الروسية، لتطال النخب المحيطة ببوتين وحاشيته، وليس المواطنين البسطاء الذين يدفعون الثمن مضاعفاً، مرة حين يساق أولادهم وأزواجهم ألى آتون الحرب بموجب قوانين التجنيد، ومرة أخرى بسبب عقوبات الغرب التي تطالهم وحدهم وتزيد من بؤس حياتهم البائسة أصلا.
Leave a Comment