شباب

إلى طلاب الجامعات العلمانيين والمستقلين…

كتب ابراهيم حيدر

تعكس الانتخابات الطالبية في الجامعات صورة مغايرة للمشهد السياسي والطائفي وللإنقسام الذي يعصف بالبلد، يمكنها أن تؤسس لحركة تغيير يقودها طلاب الجامعات المنتفضين ضد السلطة والطبقة السياسية الفاسدة. هذا المشهد التغييري في مزاج الطلاب بلغ ذروته في انتخابات العام الماضي 2020 حين فازت النوادي العلمانية والطلاب المستقلين بأكثرية المقاعد في الجامعات الكبرى في لبنان. تمكن الطلاب في تلك الانتخابات من مواجهة تحالفات أحزاب السلطة على المقلبين، متسلحين بنبض الانتفاضة التي كانت لا تزال حاضرة ولو نسبياً، رغم كل محاولات اخمادها قبل أن يتلاشى زخمها، وتمكّن القوى السياسية والطائفية من خنقها وتدمير أحلام مئات الألوف من اللبنانيين، الذين نزلوا إلى الساحات سلمياً من أجل قيام دولة عدالة اجتماعية ومؤسسات تصون مصالح الناس بعيداً من الفساد والمحسوبية. لكن هذا الفوز لم يراكم في التجربة ولم يتمكن من تكريس مسار تغيير بعيداً من الأوهام. وصل الامر بالطلاب إلى طرح تغيير النظام السياسي وبلغ بهم المطاف الى رفع شعارات كبرى ونقل التجربة إلى الانتخابات النيابية، وكأن طريق السلطة بات مفتوحاً لهم، متناسين أن الواقعية والتواضع صنوان لا يفترقان، وأن التغيير في البلد وحتى النجاح في استثمار الفوز يحتاجان إلى الكثير من التأني والمراكمة والبناء، في مواجهة أعتى نظام سياسي وطائفي متمكن قادر على المباغتة ولدى قواه جذور عميقة في البنية السياسية والطائفية في البلد.

التغير في المزاج الطالبي أوجد مناخات مختلفة ضد القوى الطائفية والسياسية المسيطرة، وتمثل بتحقيق العلمانيين والمستقلين غلبة نسبية في الانتخابات الطالبية، لكن ذلك لا يعني أن هذه التجربة يمكن تكريسها في الانتخابات النيابية، وفي استحقاقات ديموقراطية أخرى، فالأثر بقي محدوداً ولم يحصل تراكم يؤسس لمسار مستدام ضد الهيمنات الحزبية والسياسية والطائفية في الهيئات الطالبية ومصادرة أراء الطلاب واحتكار التمثيل. ما تحقق العام الماضي يعكس إلى حد كبير مزاجاً جديداً يتبلور داخل الجامعات ومناخات مختلفة عما كان سائداً في مواسم الانتخابات السابقة، حيث كانت تحالفات القوى الطائفية في الحكم تسيطر بالقوة والقدرة على التعبئة واستحضار العصبيات واستنفار الغرائز، إنما في ظروف تختلف عما يعيشه البلد اليوم من أزمات وانهيار.

في الانتخابات الطالبية هذه السنة، يتعرض العلمانيون ومعهم المستقلين لخسائر، نتيجة الرهانات الخاطئة وحتى الاوهام، ورفع السقف من دون حسابات، وإن كانت القوى السياسية والطائفية لا تزال عاجزة عن الإمساك بالهيئات الطالبية. لم تتنبه النوادي العلمانية إلى ضرورة التحلي بالواقعية والقليل من التواضع في مواجهة قوى عاتية ممسكة بكل مفاصل البلد، وهي قادرة على إعادة تعويم نفسها في الجامعات وفي الساحات بخطاب طائفي وغرائز وعصبيات. ولم يستفد المستقلون والعلمانيون أيضاً من تجربة الانتفاضة التي أعطتهم نبضها مع الناس، وهي التي احتفلت بالامس بمرور سنتين على انطلاقها في 17 تشرين الأول 2019، من دون أن تكون موجودة على الأرض، على رغم أن أهل الانتفاضة كسروا الولاءات والخوف والتبعية وعبروا عن وجعهم في الساحات، لتصبح الانتفاضة نتيجة اوهام البعض وقمع السلطة والميليشيات والتوظيف السياسي والطائفي، مجرد مجموعات تتوزع في تيارات متناقضة من دون الناس. ورغم كل ذلك يمكن البناء في الجامعات والرهان على الطلاب والمراكمة بوضوح على طريق التغيير!

نشرت في جريدة النهار في 20-10-2021     

 

 

Leave a Comment