ثقافة

أبعد من مشروع الكوتا النسائية ورفضها

كتب كمال اللقيس

يشكل النقاش الدائر حول الكوتا النسائية في المجالس التمثيلية هاجسا اخلاقيا وثقافياً، لا سيما أن بداية الالفية الثالثة والعقدين اللذين مضيا منها قد بلورت اسئلة اشكالية حول الذات والآخر والهوية الثقافية لشعوب الاطراف وتلاقح الثقافات الخلبي .إزاء هذه التحديات الكبيرة ما زلنا متعثري الخطى على طريق اكتشاف لغز العلاقة غير السوية بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا.

ومن مفارقات هذا العصر عصر المفارقات بامتياز أن تتصدر السيدات الأول من صاحبات السمو والفخامة والجلالة منتديات المرأة العربية، وكأن الحركة النسائية كان ينقصها إن تختزل بتلك المسرحيات الهزلية .

وبالعودة إلى قضية المرأة فقد اختير العام 1975 ليكون عاما دوليا للمرأة بناءً على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر في 10 كانون الاول من العام 1974 ، والذي تناول تعزيز المساواة بين المرأة والرجل، وضمان الدمج الكامل للمرأة في الجهد الشامل للتنمية وزيادة اسهامها في علاقات التعارف والصداقة بين الدول .

وقد استطاعت المرأة اللبنانية – عبر نضالها التراكمي الطويل – انتزاع بعض الحقوق كحق الاقتراع في العام 1953، وحق حرية التنقل من دون اذن الزوج المسبق في العام 1974، وحق مساواتها بالرجل في قانون الضمان الاجتماعي في العام 1987، وحق الإقرار باهليتها لممارسة التجارة دون إذن الزوج في العام 1992، وحق ابرام اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضدها في العام 1996. وما اعظمها وهي تخوض معركة حق منح الجنسية اللبنانية لاولاد المتزوجة من اجنبي. أما ام المعارك فهي ما اصطلح على تسميته “جريمة الشرف”.

لكن على الرغم من كل هذه الانجازات ما زالت الحركة النسائية اللبنانية تعاني من معوقات كثيرة تقف عقبة كأداء في طريق استنهاض دور المرأة، وتفعيل مشاركتها في الشأن العام. وبالتالي تقود الى شطب حضورها في المجالس التمثيلية. وبذا تكون الكوتا النسائية منة من الرجل للمرأة فتختزل حقها في التمثيل الكامل.

واهم هذه المعوقات :

– الخلفية الذكورية التي يتسلح بها معظم الرجال في علاقتهم بالمرأة. ولا غرابة في ذلك فالرجل يختزن موروثاً ذكورياً هائلا كرسته الاعراف والنصوص الدينية والقوانين الوضعية والتنشئة الاجتماعية، وحتى اساطير ما بعد “الالوهة المؤنثة” وبعد هذا كله لا تستغربن أن ترتكز علاقة الرجل بالمرأة على السيطرة والوصاية لا على التكامل والتكافؤ والندية والشراكة الاستراتيجية.

وإذا كان أمير القوافي(احمد شوقي) قد وصف حال الشرق ببيت شعري معبر :

إنا وإن كنا مختلفين دارا

لكن كلنا في الهم شرق .

والبيت عينه – مع بعض التعديل – سيعبر عن حال الاستلاب التي تتلبس المرأة والرجل على السواء :

إنا وان كنا مختلفين جنساً

لكن كلنا في الأسر شرق

وإذا كان الرجل عبد الارتباكات التاريخية، فإن المرأة اضحت عبدة العبد، وبالتالي هل يملك عبد أن يحرر عبدته ما لم يتحرر بدوره من عبوديته؟! وإذا ما تحرر العبد هل ستغدو المرأة عبدة الحر؟! هذه المعادلة لا تستقيم إلا إذا تحرر العبد من عبوديته، وحرر العبدة من استعباده لها لتصبح بدورها حرة وشريكة الحر .

– حالة الفراغ الفكري والخواء الاجتماعي الناجمين عن تفاقم الازمة الاقتصادية/الاجتماعية وانسداد الافق السياسي، وكون الحركة النسائية جزءاً من الكل المأزوم فلا بد أن تعاني – جدلياً – من الارتباك في حراكها .

– تردد المرأة في الانتساب إلى النقابات والاحزاب السياسية العلمانية لأن هذا يصنف في خانة “التابو” في مجتمعنا، وبذا تحرم الحركة النسائية من “مضاد حيوي” يؤدي فقدانه إلى شل مشاركتها الفعالة والمنتجة في الحياة العامة .

–  افتقار الحركة النسائية للفئة العمرية الشابة، وهنا مكمن الارتباك لأن الشباب (إناثا وذكوراً) يشكل الرافعة الموضوعية لعملية التغيير الاجتماعي الشامل، لما يؤمنه من ضخ دم جديد يقاوم شراسة التقليد. ولا عجب في ذلك فالشباب ثروة وثورة في آن.

– ظاهرة التمييز الفاضح في التنشئة المنزلية بين الذكر والانثى على المستويات كافة، ما يؤسس – غالباً – لمركب نقص لدى الأنثى قد يلازمها إلى مرحلة متقدمة من نضجها فيفقدها الثقة بالذات والقدرات .

والمحزن هنا أن الام – وهي المرأة الاولى- هي التي تعزز غالباً بادائها هذا التمييز الجندري .

– غياب الثقافة الديمقراطية الذي يقف سداً منيعاً أمام امكانية التعرف على الآخر المختلف وهذا ما يحول دون الدخول الى كينونة الجنس الآخر إلا من باب الجنس والتفوق الجندري .

– بروز حركة نسوية تعادل الذكورية في قباحتها، فلا تضيف إلى قضية المرأة اسهاماً إيجابيا بل تفقدها بعض الاحتضان لقضيتها لأنها تداوي على طريقة ابي نؤاس (وداوني بالتي كانت هي الداء) .

وبعد

إن اكثر ما يسيء للمرأة هو الترميز المجرد الذي يلغي المرأة المشخصة كونه يختزل المرموز إلى محض موضوع يستطيع الرامز تحديد مصيره. وحتى عندما يرمز بالمرأة إلى الارض أو الوطن تفقد سؤددها الذاتي لأن من لا يصنع نفسه لا يملك طاقة الحرية. من هنا سيخسر الوطن حتماً عندما يرمز له بكائن لا حرية له.

أما بلاغة المدح في ايديولوحيا الخطاب السياسي الذكوري فتحتفي بالمرأة كونها أما للشهيد أو ابنة للأسير أو اختا للرجال. وهي لا تنتزع هذا الإعتراف المؤقت بانسانيتها الا بانتسابها إلى ذكر يضفي على وجودها شرعية. أما المدح الصحيح فيفترض التعرف على الاسم الصحيح. يفترض الإعتراف بكينونة المرأة موضوعياً بعيداً عن عطف ذكوري يجعلها موضوعاً للرجل حيث لا تتم العلاقة بينهما في مدار المساواة بل في بداهة التفاوت .

إن كل ما سلف ذكره يقودنا إلى تهميش صفتي الرجل والمرأة لصالح مقولة أساسية هي “الانسان”. فالموقف من المرأة يحدد الموقف من الانسان، وبالتالي من المجتمع البشري بأسره.

 

Leave a Comment