شاشة العرض لا تفتقر الى الإثارة والتنوع وهواة أفلام الرعب. اكتشفوا، مع الوقت، ان “السينما الواقعية” أغنى واقعية من السينما غير الواقعية. ومن النجوم الذين خرّجتهم الأولى: دونالد ترامب، وكيم كارديشيان وأخواتها.
فتحت قضية “التيك توكرز” فصلاً جديداً في فصول الجمهورية. ونقلت المسائل المقززة من المتفرقات الى عناوين الأولى. ولم تعد ظاهرة فردية، بل ظاهرة اجتماعية مريعة تنبىء عن موجة من الاختلال النفسي والانحطاط الخلقي. وثمة أسباب عدة لمثل هذه الظواهر المرضية، اهمها دائماً وأعمّها، الفقر. لم يعد مقبولاً النكران والمكابرة. نحن بلد فقير ويسهل استدراج فقرائه الى سوق “الأون لاين” التي نصفها نعيم، ونصفها الآخر “أبواب جهنم”.
في هذه السوق عرض مراهق مصري 5 ملايين جنيه لكي يؤمّن كبداً من يافع آخر. وفي العراق اغتيلت “نجمة” شهيرة من نساء “الأون لاين” بسبب خلاف مع شركائها في الشرطة. إن الرجال الأكثر ثراء في العالم، في التاريخ، هم أثرياء الانترنت، واختراعات “آبل”. لم يكن العالم متباعداً ومتلاصقاً في أي عصر من عصوره مثلما هو اليوم. والفوارق بين الفقر والغنى تزداد اتساعاً وهوّة وقسوة وشذوذاً. عصابة المراهقين ليست بأعضائها فقط. إنها ايضاً بالمجتمع الذي اعتاد شيئاً فشيئاً على ان هذه الفظاعات جزء من حياته ومن بلده ومن مسار التدهور الخلقي السريع الانحدار.
الظواهر المتفرعة عن الانترنت، والذكاء الاصطناعي، استولت على حركة العالم من دون إذن. لم يعد في امكاننا ان نستأجر سيارة تاكسي من دون الانتماء الى ما بعد الحداثة الآلية. ولا أن نجد طريقنا الى أي شيء من دون الاستعانة بما كنا نسميه “الجوّال”، قبل ان يتحول الى قاموس، ودار سينما، ودليل يصوّر لك حركة الطيران حول العالم، رحلة رحلة.
يرفق كل دواء بنشرة حول “طريقة الاستخدام” وإلّا تحوّل العلاج الى سُم. قليله شفاء وكثيرة انتحار. وفي مثل هذه النوازل يصغر الموت وتصغر الحياة معاً. اليأس طبقات. أو درجات، الاسوأ فيها الذي لا أمل بعده. ونحن في أعلى الطبقة الأخيرة.
من دكان حلاقة في الدكوانة انكشفت بيروت على أقبح أنواع الرقّ وأدنى انواع العبودية. وقبل أشهر فوجئنا على الشاشة بصور معلمة تعذب طفلاً في روضة أطفال. وفي توحّش بهيمي آخر، اغتصب خال ابنة شقيقته الطفلة، وتركتها أمها تموت خوفاً من الفضيحة إذا نُقلت الى مستشفى.
نوعية الجريمة الفردية تعبّر عن مدى التمسحة العامة. عن استهانة المرتكب بقانون جرى مسخه، خدمة للنافذين، وجرى شلّه وتفكيكه على أيدي الغلظاء والمنكّلين. تُرى كيف يمكن ان تكون البشر، إذا كانت أموالهم قد سُرقت في خزائن البنوك، وإذا كان الشغور الرئاسي مسألة يمكن تأجيلها مثل شغور مخفر أو مخترة. إذا كان القضاء متسربلاً بردائه، متعسراً بعجزه الانتقائي وقوة المستقوين.
آسفون. ليس لدينا على الشاشة اللبنانية ما يعد بشيء. أي شيء. أي شيء على الاطلاق. والآية جليّة: لا يغيّر الله ما بقومٍ حتى يغيّروا ما في أنفسهم. والحديث صريح ايضاً: كما تكونوا يولّى عليكم.
العام 1987 حضرتُ القمة العربية في الدار البيضاء. وحضرت جميع دول الجامعة. جزر القمر، والشقيقة الصومال، وللمرة الأولى حضرت فلسطين كدولة. والغائب الوحيد كان لبنان الذي له رئيسان في الحكومات، وليس له رئيس للجمهورية.
كان وضعنا آنذاك تماماً مثل وضع الكونغو، التنازع على مَن يمثل الدولة اللبنانية.
كيف تبدو الجمهورية في قمة البحرين الآن؟ لا جديد تقريباً، إلا التواريخ. الدولة معلّقة بلا رئيس، والمسيحيون منقسمون بين اسمين لم يتغيرا منذ اربعين عاماً. وبين حين وآخر يذهبون الى بكركي لكي يقسموا مرة أخرى على الصدق والوعد والوفاء بالوعد. هنيئاً لكم جميعاً. ما حدا غريب. هؤلاء حضراتكم…
* نشرت في جريدة النهار بتاريخ 15 ايار 2024
Leave a Comment