لا يمكننا الوثوق بالشرطة كي تحمينا من العنف على أساس الجنس، وكذلك تحرمنا الحكومة من حق مساءلة السلطة
على غرار نساء كثيرات غيري، تابعت بشيء من الرعب انتزاع الحق في الإجهاض الآمن من الأميركيات الأسبوع الماضي. وشعرت بالغثيان لرؤية سياسيي الولايات الجمهورية، وهم يتحرقون شوقاً كي يطبقوا قوانينهم السريعة، وفق ما يسمونها، التي تحظر الإجهاض فوراً تحت جميع الظروف.
لقد قرأت عن النساء اللاتي رفضت عيادات الإجهاض المتلهفة للإغلاق استقبالهن. رأيت على وسائل التواصل الاجتماعي أشخاصاً يعرضون على الأميركيات ملاذاً في ولايات آمنة أو في بلدان أجنبية، بغية مساعدتهن في الحصول على عمليات إجهاض، مستخدمين رموزاً للإفلات من رقابة الحكومة. ومن شأن تلك الرسائل المشفرة أن تجعل “أرض الأحرار” تبدو كأنها رواية عن مستقبل متشائم قاتم، فيما تنصح النساء بتقليص بصمتهن الرقمية، وإزالة كل بيانات رصد دورتهن الشهرية من الفضاء الافتراضي، والعودة إلى استخدام الورقة والقلم.
استطراداً، فمن السهل إقناع أنفسنا بأن أمراً كهذا لن يحدث أبداً في بريطانيا، إذ نريد التصديق بأن المسافة الجغرافية تعادل وجود هوة سياسية، فيما تعيد أميركا الزمن إلى الوراء في مسألة حقوق المرأة، ولكن الواقع المريع يتمثل في أن حكومتنا تسعى إلى حرمان النساء من حرياتهن الآن مع طرحها ما تسميه مشروع “ميثاق الحقوق” أمام البرلمان. ومن اللافت أن الحكومة رفضت إضافة حق الإجهاض إلى مشروع القانون الجديد.
وكذلك يسعى مشروع القانون الجديد أن يستبدل “قانون حقوق الإنسان” الحالي الذي يعتبر مدماكاً أساسياً في أطرنا القانونية التي تحفظ حق النساء في عيش حياة خالية من العنف. ويعطي هذا القانون الناجيات من العنف الحق في الحصول على مساعدة قانونية وتدابير حماية، وكذلك يمكنهن من مساءلة الدولة ومؤسساتها حينما تخفق في حمايتهن. في المقابل، يهدد مشروع القانون الجديد بتقويض هذه الحقوق، فيتيح بالتالي المجال أمام السلطات كي تفلت من الرقابة، وكذلك يسكت في الوقت نفسه أصوات الناجيات من العنف، وهن اللاتي دمرت حياتهن بسبب تقصير تلك السلطات.
واستكمالاً، يضع “قانون حقوق الإنسان” ضغوطاً على الشرطة كي تجري تحقيقاً شاملاً في حالات الاعتداء، وتقدم مساعدة قانونية للمتهمين، وحماية أضعف الأشخاص الذين لا يمكنهم الترافع دفاعاً عن أنفسهم. وقد طبقت هذه الحقوق عملياً من أجل تقديم طعن قانوني في سلوك شرطة لندن الرهيب أثناء مسيرة إضاءة الشموع إحياء لذكرى سارة إيفرارد، مثلاً، وتسليط الضوء على تقصير الشرطة في التحقيق مع “مغتصب سيارة الأجرة السوداء” جون وربويز.
كذلك تستخدم هذه الحقوق حين تخفق الشرطة في التحرك قبل تعرض سيدة للقتل على يد شريكها، وفي حال تقصير الدولة في توفير مسكن آمن للنساء والأطفال الهاربين من الاعتداءات. وبموجب مشروع القانون الجديد المقترح، سيصبح من الأصعب بكثير إحقاق العدالة في هذه القضايا.
وإذا كنتم تتساءلون عن عدد المرات الفعلية التي تقع فيها تلك الإخفاقات، فذلك لأنكم لم تولوا الموضوع انتباهاً كافياً. وفيما تستمر محاولات الحكومة بالدفع من أجل وضع وباء العنف الأسري في مكانة ثانوية على جدول الأعمال، تخطف أرواح مئات النساء. ولا شك في أن أسماء بعضهن حاضرة في أذهانكم على غرار سارة إيفرارد، وبيبا هنري، ونيكول سمالمان، وسابينا نيسا، والآن زارا ألينا التي قتلت في شوارع لندن صباح الأحد.
وإذا أضفنا إلى ما سبق كون عدد مقلق من المعتدين يعملون لدى شرطة العاصمة، من بينهم شرطي في وحدة “واين كوزين” وجهت إليه أخيراً 41 تهمة بالاعتداء على نساء، من بينها خمس تهم بالاغتصاب. ويعني ذلك أن تدابير خاصة اتخذت بحق مركز الشرطة الذي وضع تحت إشراف هيئة مراقبة بسبب عجزه المزمن عن حماية الشعب. وبالنظر إلى المأزق الذي يهدد المؤسسة، فإن هذا أخطر وقت لتجريد ضحايا العنف من حقوقهن والمنظمات التي تدافع عنهن، إضافة إلى حقهن في التصدي للسلطات التي تتخلى عن النساء أثناء مواجهتهن العنف.
ولا يقتصر الأمر على شرطة العاصمة، إذ تتجاهل السلطات في كل أرجاء البلاد ضحايا الاعتداءات، وفي غالب الأحيان، تكون علامات الإنذار موجودة. وغالباً ما يكون الثمن باهظاً. لقد استخرجت نساء كياسمين شكيفي، وهي أم لولدين تبلغ من العمر 43 سنة طعنت حتى الموت على يد زوجها السابق، أمراً بعدم اقتراب المعتدي عليها منها، وقد انتهكه فعلياً قبل الاعتداء. وقبل ذلك، نبهت ياسمين أصدقاء لها إلى اعتقادها بأن شريكها السابق سيقدم على قتلها، فيما أشار ابنها إلى أنه كان “على اتصال دائم بالشرطة لكنها لم تحرك ساكناً لمساعدتها”.
كذلك من المستطاع ذكر نساء كجيسي لافراك التي انتحرت في عام 2018 هرباً من الاعتداءات الجسيمة التي عانتها على يد الجاني، هذا الأسبوع، وبعد أربع سنوات من المعاناة التي قاستها عائلتها، وجد التحقيق أن جميع الهيئات التي كانت مسؤولة عن مساعدة جيسي قد خذلتها. وقد اعتبرتها السلطات من الفئة المعرضة للخطر الشديد، جراء الاعتداء المستمر الذي عاشت تحت وطأته. في المقابل، خفضت الشرطة والموظف المسؤول عن قضايا العنف الأسري، ترتيبها ضمن قائمة الفئات المعرضة للخطر الشديد أثناء أكثر أوقاتها ضعفاً إذ كانت تعيش وحدها، وتتعرض لتهديد مستمر من شريكها السابق.
وفي السياق نفسه، إن النساء تواجه هذه الدرجة من الإهمال، فيما حقوقنا الإنسانية لا تزال محفوظة، فتخيلوا مدى خطورة الوضع حين لا تعود الشرطة معرضة للمساءلة. تجرد الحكومة النساء من القدرة على التصرف في حين مؤسساتها هي كبرى الجهات التي تخذلهن.
وليس من المفاجئ أن مشروع القانون يشكل امتداداً لبيئة حكومية خبيثة معادية [لحقوق الإنسان]. ومع طرحه [القانون الجديد عن حقوق الإنسان] بعد وقت قصير من مخطط رواندا اللا إنساني [إشارة إلى قانون يمكن الحكومة من ترحيل المهاجرين إلى راوندا، في فترة النظر بإعطائهم حق اللجوء أو حجبه عنهم]، فقد تتقوض حقوق المهاجرات اللاتي لديهن وضع لجوء غير مستقر في حال إقرار مشروع القانون الجديد، بينما تحذر “جمعية مساعدة المرأة” من “احتمال اعتبار الناجيات من العنف الأسري “غير مستحقات” للتمتع بحقوق الإنسان وسبل الإنصاف، بموجب هذه المقترحات”.
وتذكيراً، إن الحكومة ترفض أساساً تقديم مساعدات مالية أو مساكن للمهاجرات الهاربات من الاعتداءات، ولذلك ليس ما يفاجئ في ذلك القرار، إذ يضمن قانون حقوق الإنسان الحالي حماية تامة للجميع، لكن هذه الحكومة النتنة تريد انتقاء من يتوجب عليها حمايته من العنف.
يجب أن نخاف جميعاً من هذا الاعتداء المباشر على حقوق المرأة. سيسمح لرجال من أمثال واين كوزينز بالإفلات، وسوف تبقى نسبة الدعاوى القانونية في قضايا الاغتصاب عند أدنى مستوياتها على الإطلاق، فيما يضعف قدرتنا على التصدي للمؤسسات التي من واجبها حمايتنا. فلتكونوا على يقين بأن مزيداً من النساء سيلقين مصرعهن على أيدي الرجال في ظل مشروع القانون الفظيع هذا.
حينما نتألم لمصاب النساء في أميركا، يتوجب علينا النظر إلى بلدنا نفسه كي نحارب من أجل فئات تخذلها حكومتنا نحن أيضاً. ثمة نقاط مشتركة بين بعض سياسيينا والمتطرفين الأميركيين أكثر مما نحب أن نعترف به، بالتالي إن بعض الرجال الجالسين في البرلمان اليوم سيرحبون بحظر الإجهاض وتجريدنا من حقوقنا الإنسانية، ما يجعل هذا الواقع ملموساً أكثر.
كخلاصة، تشن حرب عالمية على النساء وليس مشروع قانون “ميثاق الحقوق” سوى أحدث هجمة فيها، ويتوجب علينا التصدي لها بشراسة.
نشرت في سوسيال اوروب يوم الأحد 3 تموز / يوليو 2022
Leave a Comment