*ناصر السهلي
يُذكّر التصفيق الحار لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو، في الكونغرس الأميركي، بمسدّسات أفلام الكاوبوي، أو أفلام الغرب الأميركي، التي لا تفرغ من الطلقات، والمساهمة في تشويه الشعب الأصلي، أو ما يسمّى “نايتيف أميركانز”، لاستسهال إبادته، باسم الاستيطان والأرض الموعودة. تصفيق قلّ نظيره عند مجالس شعوب الأنظمة الديكتاتورية، مذكّراً أيضاً بمسؤولية أميركية عن تشجيع حرب الإبادة وجرائم الحرب في غزة ودعمها، باعتراف محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية.
قدّم نتنياهو، الموصوف في مجتمعه بالكذّاب، والذي تعتقد الجنائية الدولية أنه مرتكب جرائم حرب، للمشاهدين صورة عن مستوى الجهل المركب والعجرفة واللامبالاة بقيمة البشر عند مشرّعين أميركيين. إذ تحت شعار “الخير والشر”، الذي يجري تعريفه بسلاح أميركا، يواصل الكاوبوي واليانكي رعاية جرائم الإبادة والبربرية الحقيقية على أرض فلسطين، والتي يباركها الإعلام العبري، وتظهر مجدّداً استعلائية واحتكاراً للقيم، وبسؤال: لمَ يكرهوننا؟ فملايين أبناء المنطقة، وخاصة الأجيال العربية الجديدة، شاهدت، مساء الأربعاء الماضي بتوقيت غزة، هذا الإصرار على دعم استمرار الإبادة الجماعية في غزة وعموم فلسطين.
وبكثير من التضليل وتزوير التاريخ وقلب الحقائق، تُساق مفردة “الخير”، لتعبر عنوة عن مباركة تدمير قطاع غزة وقتل أكثر من 40 ألف إنسان، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وتقطيع وحرق أجساد الضحايا بقنابل أميركا نفسها، ومشاهدة عمياء لتهجير مليوني غزي من مناطقهم، واستخدام جرائم التجويع والحصار واستهداف المشافي والصحافيين، وأبشع حفلات السادية بحق المعتقلين والأسرى الفلسطينيين، مقابل التباكي على الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، واعتبار قيمتهم أعلى من قيمة بقية البشر.
فـ”الخير” المقلوب على رأسه في الكونغرس الأميركي هو ذلك الراعي لآخر استعمار على وجه الأرض، ولانفلات عصابات الإرهاب الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، ومحاولة فرض ترانسفير، برعاية أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وهو “خير” يُذيب تماماً تعريف “الشر”، في هزلية هذا الفيلم الأميركي الطويل في اضطهاد شعب فلسطين، وبغطاء الهوس الديني، أملاً في فرض استسلامه جماعياً، ولنسف حقه في تقرير المصير والاستقلال.
ذلك، وغيره كثير، ما يجعل “عظمة أميركا” في عيون أهل المنطقة العربية، وغيرها، مجرد صانع ومورد لأدوات الإبادة وجرائم الحرب، وما يحيل قيم واشنطن ومبادئها وسياساتها ودبلوماسيتها مجرد خرقة لمسح الدماء عن أيادي مجرمي الحرب. برغم ذلك كله، يتناسى المصفقون أن الأبرتهايد والاستعمار إلى زوال مهما طال أمدهما وتعاظمت أثمان التحرر منهما. تلك حتميات تاريخية لا مفر منها.
*نشرت في العربي الجديد بتاريخ 26 تموز / يوليو 2024
Leave a Comment