سياسة مجتمع

منظمة العمل اليساري وتحديات ما بعد آل الاسد في سوريا: ترسيخ الحياة الديمقراطية ومواجهة العدوانية الاسرائيلية

اصدرت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني لمناسبة سقوط حكم بشار الأسد في سوريا البيان الآتي نصه : 

بعد 55 عاما من القمع  والارهاب المنظم، الذي يُذكر بالعصور الظلامية والهمجية المتوحشة، جرّاء ما تعرض له الشعب السوري بمختلف اطيافه من انتهاكات، على  أيدي نظام الاستبداد الأسدي  وأجهزته الأمنية القمعية، تحت راية الحزب الحاكم وفي ظل شعارات زائفة، والتي يصعب معها وصف ما عاناه هذا الشعب من عذابات طوال تلك السنين، مجردا من أبسط حقوقه الانسانية والقانونية. وهي العذابات التي امتدت لتصل إلى الشعبين اللبناني والفلسطيني، ومعهم كل من طالته أيدي أفرع المخابرات التي لا تعد ولا تحصى. فمن عشرات ومئات الألوف الذين تمت تصفيتهم، أو الذين  اعتقلوا في السجون، التي غطت سائر مناطق سوريا، الذين لا يدري ذووهم بمصيرهم، ومعهم الهيئات الحقوقية الدولية الممنوع عليها معرفة أسمائهم، أو التواصل معهم ومتابعة مصائرهم، إلى أؤلئك الذين خرجوا من السجون وهم لا يعرفون أسماءهم، لأنهم فقدوا شعورهم بالزمن وبإنسانيتهم، وباتوا مجرد أرقام في الأقبية والمعازل الفردية والجماعية. إلى الاطفال الذين وُلدوا في الزنازين المظلمة ولم يعرفوا أو يروا ضوء الشمس مع امهاتهم. إنها معاناة الشعب السوري، التي يصعب بل يستحيل  الإحاطة بتفاصيلها  وبالكم المرعب من الظلم وهدرالكرامة البشرية واستباحة الحقوق الانسانية  البديهية التي اصابت  ضحاياها وهم مئات الالوف من السوريين و عشرات  الألوف من اللبنانيين والفلسطينيين، من نساء واطفال وشباب فنيت أعمارهم  في أقبية التعذيب وزنازين الموت والمسالخ البشرية.

إن منظمة العمل اليساري، إذ تثمن تضحيات ومعاناة الشعب السوري وتقدر أهمية صموده ونضالاته  التي  مكنته نهاية من اسقاط نظام الطغاة من آل الاسد وشركائهم الذي حكموا سوريا، وكأنها ملكاً مفرزاً لهم، ومجرد اقطاعة أو غنيمة يجري توارثها  إلى الأبد. وتدرك المنظمة ماذا يمثل خلاصهم من تسلط أجهزة النظام المكلفة بمصادرة جميع حقوق السوريين في الاعتراض أو الاحتجاج والمحاسبة، وهي التي أحصت عليهم أنفاسهم  ومنعتهم من تنفس هواء الحرية النقي، كما فعلت مع اللبنانيين بقوة  وصايتها التي فرضتها عليهم بممارساتها التسلطية بهدف إخضاعهم. كما مع الفلسطينيين الذين طمعت بمصادرة قرارهم السياسي، واعتبار قضيتهم مجرد ورقة في بورصة ممارساتها للحصول على درع التثبيت الاميركي – الاستعماري. كما تعلم جيداً ماذا يمثل  لهم التحرر من نظام القمع الدموي هذا الذي استنجد بالقوى الاقليمية والدولية لقمع انتفاضتهم المجيدة، سعياً منه  للاجهاز عليها، متوهما أنه قادر على تأبيد سيطرته، وأن بمكنته قطع الطريق على كل ما هو جوهري وحقيقي في حياة الانسان ، وما يختزنه من قيم ومباديء سامية. وما تزخر به سوريا من غنى وابداع وتنوع وطاقات. 

إن المنظمة التي أدركت مدى قسوة القمع الذي عاناه الشعب السوري، والتي رفضت الخضوع  لوصاية النظام السوري وصمدت في مواجهة مخططاته وممارساته  للإجهاز على الشخصية الوطنية اللبنانية  بقوة القمع السافر بكل اشكاله، وعبر  مسلسل الاغتيال المنظم للقادة والمسؤولين اللبنانيين. وهي التي رفضت دوماً على امتداد مسيرتها النضالية أن تقدم أي تنازل سياسي لهذا النظام، الذي  كان دأبه منذ قيامه  قبل أكثر من نصف قرن تقديم الخدمات للدول النافذه سعياً منه  للقبول به واعتماده  من قبلها وكيلاً لها في المنطقة، وفي الطليعة منها الولايات المتحدة  الاميركية. وللمناسبة فإن المنظمة  وهي تهنىء الشعب السوري  بنهاية وسقوط نظام الاستبداد، فإنها  تهيب به وبقواة الحية والمناضلة العمل على تجذير انتصاره عبر تكريس وحدته الوطنية ورفض كل أشكال التعصب والظلامية، وتجنب الصراع على السلطة، أو الانجرار إلى النزاعات الاهلية، واستسهال تغييب الديمقراطية، بين قوى وفئات المجتمع، وعلى صعيد تنظيم ادارة الحكم، وترى فيه أقصر الطرق لهدر ما تحقق. ولذلك فإن تلك القوى، مطالبة بتأكيد استقلاليتها وعدم ارتهانها للخارج،  في موازاة  العمل على تثبيت دورها في المعادلة والحياة السياسية العامة، للحفاظ على حقوق  جميع المواطنين والدفاع عنها، ومواجهة الاخطار التي تهدد المصالح الوطنية السورية في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ البلاد. وأولها التصدي للعدوان الاسرائيلي المستمر في ظل النظام البائد والمتصاعد بعد زواله،  والمتمثل بتهديد عاصمة البلاد واحتلال جبل الشيخ والمنطقة العازلة مع الجولان السوري المحتل، وبمئات الغارات الجوية التي استهدفت المطارات والطائرات العسكرية وجميع منشآت ومرافق ومواقع وتجهيزات الجيش السوري، الذي لم  يكلفه  النظام الاسدي، سوى بقمع الشعبين السوري واللبناني، التزاما منه بموجبات اتفاق فض الاشتباك، وفصل القوات مع اسرائيل منذ العام 1974، وعدم مواجهة اعتداءاتها  المتواصلة  على سوريا، أو التصدي لحروبها المتكررة على لبنان خلال سنوات وصايته عليه. الأمر الذي دفع بحكومة اليمين العنصري الصهيوني  للتعبير عن خيبتها من انهيار حكم الاسد ، وتأكيد خشيتها من تحرر الشعب السوري، عبر مواصلة العدوان عليه وإلغاء  الاتفاق الذي وقعه معها قبل خمسين عاما. 

       بيروت 10 كانون الاول 2024       

    المكتب التنفيذي لمنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني 

Leave a Comment