في خطاب المقاومة الاسلامية للعدو الاسرائيلي، مثل حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله طبعا، لغة ومفردات لم ترد يوماً على لسان أسلافهم المقاومين من التيارات غير الاسلامية، جوهرها ان العصر الحالي هو عصر زوال دولة اسرائيل، التي تعيش أيامها الاخيرة، على حافة الخوف والخطر والقلق الدائم على المصير، وتتلفت ذات اليمين وذات اليسار، تقف على رجلٍ واحدة، حسب التعبير الشائع في قطاع غزة ولبنان واليمن، لا في طهران ودمشق، وهي تترقب ضربات المقاومين التي “تزلزل” الارض تحت أقدام الاسرائيليين.
هذا الخطاب المفرط في التفاؤل، لم يكن يوماً تعبوياً أو تحريضياً لجمهور لا يحتاج الى الكثير من التعبئة والتحريض. كان هذا الخطاب على الدوام في أصل اللغة السياسية الاسلامية التي كانت ترث الخطاب القومي وتساجله وتفنده وتدحضه، مستخدمة أدوات مختلفة تماماً لحساب موازين القوى مع العدو الاسرائيلي، ولحساب الخسائر البشرية، سواء التي تلحق بالاسرائيليين او تلك التي يُمنى بها الجانب العربي، والفوارق الهائلة في ما بينهما على مستوى الارقام والاعمار والنسب المئوية. لكن، هذا كله تفصيل وثمن واجب وإلزامي على درب الصراع التاريخي، يفترض ان يحجب الجدل الضروري حول أساليب خوض هذا الصراع وجبهاته التي تضيق يوما بعد يوم.. مع أن آفاقها (كانت وما زال يمكن أن..) تشمل العالم كله، كما في مرحلة التنظيم الاولى للمواجهة مع المشروع الصهيوني.
هذه الايام ليست مناسبة للدخول في مثل هذا الجدل، لسبب بسيط هو ان المعطى الاسرائيلي يقدم أدلة ووقائع مناقضة لكل ما بني عليه الخطاب الاسلامي، والقومي ايضا، في السنوات ال75 الماضية، ويضع الجمهور العربي في حيرة أمام تلك الازمة الداخلية التي يشهدها الكيان المصطنع: هل اقتربت دولة اسرائيل من النهاية فعلا؟ هل يقف الاسرائيليون حقاً على عتبة حرب اهلية مدمّرة؟ هل اصبحت الديموقراطية الاسرائيلية في خطر حقيقي؟ هل تتجه اسرائيل نحو الانحطاط بصهيونيتها القومية العلمانية الى صهيونية دينية فاشية تحرق الاخضر واليابس وتغير وجه الدولة اليهودية؟هل فقدت اسرائيل صلة الرحم التي تجمعها مع الولايات المتحدة ومع الغرب عموما؟
هذه الاسئلة الصعبة ليست مصطنعة ولا مستوردة من خارج اسرائيل، بل هي منقولة بدقة عما يتحدث به الاسرائيليون في مؤسساتهم واحزابهم ومستوطناتهم وشوارعهم التي باتت تهدد برلمانهم وحكومتهم وجيشهم، وربما سلاحهم النووي. كأن الدولة اليهودية تخوض الآن في غمار تحدي إعادة التأسيس الثانية، التي لا تستثني شيئاً، الحدود والهوية والدستور وقوانين العودة اليهودية، وتحديد طبيعة العلاقة الرسمية مع أميركا والصلات السياسية والشعبية مع الخزان البشري اليهودي الموجود في الولايات المتحدة، الذي يغلب عليه الطابع الليبرالي، العلماني، المناهض للفاشيين الجدد المؤثرين في الحكومة والبرلمان الاسرائيليين.
هذا التحدي الداخلي الاسرائيلي هو بالفعل الأهم والأخطر منذ العام 1948، وإن كان يُستبعد حتى الآن أن يصل الى حد تبادل اطلاق النار في الشوارع او إقامة الحواجز ونصب المتاريس الفاصلة بين المدن والبلدات والمستوطنات والثكنات العسكرية والامنية. وهو يستمد أهميته وخطورته من كونها يمضي قدماً بمعزل عن واحدة من أشد الحملات العسكرية شراسة التي يشنها الاسرائيليون، بما يشبه الاجماع، على الشعب الفلسطيني، وأرضه، وإرادته الوطنية..وبمعزل عن الخطط والمناورات العسكرية التي ينظمها الجيش الاسرائيلي حالياً لخوض حرب واحدة على ثلاث جبهات، أو أربع.
وعليه، تسقط الحجة بان الكيان الصهيوني في خطر أو في قلق، بل هو مطمئن الى اقصى الحدود، على أمنه، الداخلي والخارجي، وهو يجري عملية تطوير وتحديث لدولة المؤسسات والقانون التي أنشأها المستعمرون اليهود في غفلة من الزمن العربي.. العملية قد لا تنجح، بل قد تؤدي الى تعميق الانقسامات داخل المجتمع الاسرائيلي، والى ارتفاع الرايات الدينية التي ستقود الدولة اليهودية الى الزوال، أو الى مصير مشابه لأي دولة عربية أو إسلامية تحيط بها. وهذا أيضا ما يقوله الاسرائيليون أنفسهم. عسى ان تصدق تقديراتهم بسرعة.
*نشر على موقع المدن الالكتروني 24 تموز 2023
Leave a Comment