هاشم علي حامد محمد*
التمرد في النيجر لن يكون الأخير بالقارة ومنطقة الساحل تحديداً
يعيش الواقع الأفريقي جملة تحديات متمثلة في قضايا دول القارة السمراء ومشكلاتها، إلى جانب أدواتها واتحادها ونظمها وتطلعاتها. وهذا الواقع متأثر بظروف المنطقة وما تواجهه ومن ثم يحدث التفاعل وهو ما يفرز في النهاية دولاً كالنيجر وغيرها، ليبقى السؤال ماذا يمثل انقلاب النيجر لمنطقة الساحل والصحراء؟ وماذا يحمل من دلالات للقارة الأفريقية؟
توقيت انقلاب النيجر نفسه تزامن مع تجهيزات موسكو لمؤتمر قمة “روسيا- أفريقيا” الثاني في مدينة سانت بطرسبورغ، والذي شاركت فيه وفود 49 دولة أفريقية إلى جانب 17 رئيساً من دول القارة، والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي رئيس اتحاد جزر القمر غزالي عثماني، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، لتتحول إلى تظاهرة أفريقية مؤيدة لموسكو في ظل عزلتها العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا.
من المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي دان الاتحاد الأفريقي ونددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بـ”انقلاب النيجر”، خرجت مجموعات مؤيدة له ولعزل الرئيس محمد بازوم (المنتخب ديمقراطياً) من منصبه، وهتفوا أمام الجمعية الوطنية في العاصمة نيامي باسم روسيا ورفعوا العلم الروسي.
تمثل النيجر إحدى دول ما يعرف بالساحل والصحراء والذي يتشكل من السـاحل الأفريقي والمنطقـة الفاصلة بين شمال أفريقيا وأفريقيا ما وراء الصحراء كامتداد إقليمي بين البحر الأحمر شرقاً والمحيط الأطلسي غرباً، وتشمل المنطقة كلاً من النيجر وتشاد والسودان ومالي، إلى جانب موريتانيا والسنغال، ويضاف لها وفق تنظيم (جو-اقتصادي) كلاً من بوركينافاسو ونيجيريا والرأس الأخضر، والجزء الجنوبي من الصحراء الجزائرية.
تحولات مؤكدة
الرئيس السابق لمفوضية حقوق الإنسان في السودان، عبد المنعم عثمان طه، يقول إن “ما يشهده العالم من ظروف جديدة في ظل العسكرتارية الدولية وتأثيرها في أفريقيا تأكيد لتحولات لا تزال تشهدها القارة كدلالة على عدم نضج سياسي واجتماعي واقتصادي تعانيه معظم دولها، لتشكل هذه الحيثيات جميعها دوران الأحداث”.
وأوضح أن الفترة الحالية التي تعيشها أفريقيا تعتبر من أصعب المراحل في ما تشهده منطقة الساحل، وكذلك أصعب الفترات في تاريخ القارة بكاملها، لاعتبارات الواقع الاقتصادي وتبعاته، خصوصاً أن عدم استقرار دولة واحدة يؤثر في ما يحيطها من دول فما بال شريط من الدول المتشابه جغرافياً والمتماثلة اقتصادياً واجتماعياً ودينياً.
ومضى في حديثه “بدأت الانقلابات حديثاً في منطقة الساحل والصحراء بانقلاب مالي في أغسطس (آب) عام 2020، ثم انقلاب آخر في مايو (أيار) عام 2021، وفي سبتمبر (أيلول) 2021، بينما غيرت غينيا نظامها، وشهدت بنين انقلاباً فاشلاً في عام 2021 إلى آخر الموجات انتقالاً إلى بوركينا فاسو التي شهدت انقلابين عسكريين خلال تسعة أشهر آخرها في سبتمبر 2022، ثم أحداث السودان في العمليات التي تنفذها ميليشيات الدعم السريع (الجنجويد)، وأخيراً انقلاب النيجر، يوليو الجاري، والذي لن يكون بأي حال هو الانقلاب الأخير في القارة ومنطقة الساحل على وجه الخصوص”.
يشير طه إلى أن “جملة أحداث الانقلابات يتبعها تدافع سياسي وأوضاع اجتماعية سيئة وظروف من عدم استقرار ومشكلات، وعدم نضج أفريقي عام اقتصادياً وسياسياً، وأطماع دولية لدول وقوى عالمية تظل تمثل لها أفريقيا غنيمة، وموضع أطماع تتبارى في الوصول إليها”.
ومضى في تحليله “بالأمس القريب كانت فرنسا هي المهيمنة على عديد من دول المنطقة ولا تزال لها بقايا نفوذ فيها، لكن اليوم على رغم ما تدعيه روسيا حالياً من نصرة لدول القارة ووقوفها إلى جانبها تتبين الحقائق الجلية ما تلعبه عبر مخططاتها وقواها الرسمية أو غير الرسمية كميليشيات (فاغنر) ذات الأطماع المتعددة في القارة الأفريقية، وهذه الميليشيات التي أصبح لها حضور فاضح في مشكلات عديد من الدول”.
مسلمات أفريقيا
الرئيس السابق لمفوضية حقوق الإنسان في السودان قال أيضاً “إذا حاولنا أن نقرأ بصورة صحيحة مسار الدول الأفريقية على ضوء انقلاب النيجر فالأحداث والسياسات كلها تعبر عن إشكالية التداخل ما بين حاجاتها وضروراتها في الغذاء والمال وما تمثله وتلعبه الدول الكبرى كروسيا وفرنسا وغيرها من أنماط استغلال وعقلية استعمار وأدوار سالبة تجاه حاجات دول أفريقيا واستقرارها، فبدلاً من المساعدة على البناء لتمكين القدرة الذاتية للدول، وتحقيق الاستقرار تعمل هذه الدول على نقيض من ذلك مستغلة حاجة القارة وثرواتها على حد سواء”.
وأضاف “الواقع الاقتصادي المتردي يمثل كبرى المشكلات، إضافة إلى عدم استقرار المجتمعات الأفريقية نتيجة الحروب الداخلية، والتنافس السياسي والديني والإثني، وكلها عوامل لا تساعد على استقرار الدول”.
ورأى أنه “إذا قارنا بين دول كجنوب أفريقيا أو نيجيريا أو الجزائر مثلاً، فإن هذه الدول تخطت إلى حد كبير حواجز وعقد الظرف الاقتصادي بثبات انعكس على استقرار مجتمعاتها نسبياً في ما تشهده من واقع مقارنة بدول أخرى تمثل فيها الانقلابات العسكرية أملاً للخروج من محنها المتباينة، والتي يمثل فيها الواقع الاقتصادي أكبر المشكلات ويلقي بظروف جديدة في انعكاسات مجتمعية ودينية وانقلابات وعدم استقرار”.
وعدد ما تتطلبه المرحلة المقبلة من علاج لظواهر الانقلابات الأفريقية، بالبدء في تطبيب المشكل الاقتصادي الذي يعتبر ضمان استقرار الدول، ثم توفير الحماية من التدخلات الأجنبية الطامعة، والتخطيط للمشاريع الاقتصادية المتكاملة والمتعاونة بين مختلف الدول، وتبني خطوات جادة في سبيل البناء الاقتصادي الإقليمي المتكامل.
الانقلاب نكسة
من جهته يقول الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، إن “الانقلاب العسكري في النيجر يمثل كارثة كونه يطيح نظاماً ديمقراطياً جاء بالرئيس محمد بازوم عبر انتخابات ديمقراطية حرة في أبريل (نيسان) 2021 ممثلاً لحزبه (الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي)”.
وتابع “هذا الانقلاب يمثل نكسة لمشروع الاستقرار السياسي الذي تنشده أفريقيا عموماً، والذي في ظله يمكن للدولة أن تبني مؤسساتها كافة في خدمة الشعب، وتحقق له الاستقرار الذي يقود إلى التنمية والبناء الاقتصادي الراسخ”.
واعتبر أن “دول الساحل معروف عنها كونها ساحة للحركات المتطرفة والتي تستغل ظروف عدم الاستقرار السياسي في تحقيق غاياتها وتمددها في المنطقة، وتشكل الصحراء ما يقدر بثلثي مساحة النيجر الواقعة في قلب منطقة الساحل القاحلة في غرب أفريقيا، ويساعد الجماعات المتطرفة المنتشرة في جنوب المنطقة الطبيعة الجغرافية والتقارب الإثني والثقافي مع الجوار، إضافة إلى فقر الدول ومعاناتها وتأخرها في مؤشرات التنمية، مما يخلق حالات التوتر وعدم الاستقرار، والمزايدة لجذب الشباب المتطرفين”.
وتابع “من المهم أن يعمل المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي بخاصة لأجل استقرار النيجر ومنطقة الساحل بصورة عامة، وأن تقدم مساعدات تنموية حقيقية للأهالي بالمنطقة، إلى جانب المواجهة الفاعلة لظاهرة الانقلابات العسكرية وما تتسبب فيه من ظروف عدم استقرار ولا يكون ذلك بالإدانات والعقوبات غير ذات الأثر، ولكن يكون بتفعيل الاتحاد الأفريقي لآلياته، وخلق قوى ذات حضور متمركز على مستويات القارة الإقليمية، مما يقطع الطريق على أي أفعال توترات سياسية كانقلابات أو غزو، أو غير ذلك”.
*نشرت فيالاندبندنت العربية يوم السبت 29 تموز / يوليو 2023
Leave a Comment